A+ A-
كلمة عبد الرحمن محمد النعيمي في مؤتمر نحو شبكة للإصلاح والتغيير الديمقراطي في العالم العربي/البحرين نموذجاً
2005-12-08

عبد الرحمن محمد النعيمي
رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للدراسات - البحرين

تقديم
شكراً لمركز القدس للدراسات السياسية ولمؤسسة كونراد اديناور الالمانية لتنظيم هذا المؤتمر البالغ الاهمية تحت عنوان (نحو شبكة للاصلاح والتغيير في العالم العربي) في هذه الفترة التي يشتد الصراع بين قوى الاصلاح والتغيير وبين قوى المحافظة والممانعة الرسمية والشعبية على حد سواء، وتزداد الضغوطات الداخلية والخارجية لاعادة صياغة خارطة المنطقة العربية برمتها وخاصة المشرق العربي.

كما يمكن اعتبار هذا المؤتمر جزءاً من الفعاليات المتعددة التي تقام في المنطقة العربية وخارجها حول الاصلاح الشامل في البلدان العربية والاسلامية على حد سواء، والتي كان من ضمنها منتدى المستقبل الموازي والرسمي اللذان اقيما في البحرين في الشهر المنصرم، ومؤتمر الشرق في اسطنبول ومؤتمر برشلونه في نهاية الشهر المنصرم، والتي عكست مصالح مختلف الاطراف المحلية والامريكية والاوربية وغيرها في اهمية وضرورة الاصلاحات في المنطقة العربية، مما يعني قناعة كثرة من الاطراف الداعية الى الاصلاح بأنه لا يمكن السير الى الامام في بلداننا العربية بالصيغ والاساليب والبرامج القديمة وان من الضروري تقييم ونقد ومحاكمة مرحلة بأكملها، ودراسة ما يجب علينا اصلاحه لنتمكن من مسايرة العصر، ونكون جزءاً فعالاً فيه، خاصة وان المنطقة العربية تتمتع باهمية استراتيجية في العالم، نظراً لموقعها المتوسطي وللثروات الكبيرة الموجودة فيها وبشكل خاص الثروة النفطية والغازية التي تشكل احد ابرز عوامل القوة والضعف في الوقت ذاته لبلداننا العربية، وتشكل حاجة استراتيجية للعديد من الدول العالم، خاصة بعد أن ثبت بأن أكثر من 60% من الاحتياطات النفطية في العالم موجودة في حوض الخليج العربي ـ الفارسي.

وحيث سيتطرق غيري من الاساتذة الكرام الى عدد من المبادرات التي جرت في الفترة المنصرمة، او في بلدان عربية، فان من المفيد القاء نظرة سريعة على دول مجلس التعاون الخليجي، ثم تسليط الضوء على التجربة البحرينية التي كثر الحديث عنها نظراً لخصوصية هذه التجربة.

السمات المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي:
ينعقد مؤتمرتنا في الوقت الذي تتنظر دول المجلس انعقاد القمة الخليجية التي كثر الحديث عنها، حيث انها تأتي بعد وفاة زعيمين اساسيين من زعماء دول المجلس وهما المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة، والمغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، وبعد سلسلة من المؤتمرات الوزارية الخليجية، اضافة الى مؤتمرات دولية والتي كان من ابرزها منتدى المستقبل الرسمي، ومؤتمر الامن الخليجي ومؤتمر دور حلف الناتو في الحفاظ على امن المنطقة.

وبالرغم من اننا ندرك صعوبة التحرك المشترك الشامل لهذه المنظومة، الا ان الجميع يشعر بخطورة الاوضاع الراهنة، ويأمل بأن يتمكن القادة الخليجيون من تنفيذ بعض الخطط والقرارات التي اتخذوها في مؤتمرات القمم السابقة، لاعادة الاهتمام بمؤتمراتهم من جهة، واعادة بعض الثقة الشعبية الى هذه المؤسسة الاقليمية بامكانية تحقيق بعض التقدم المشترك فيما يتعلق باصلاحات تشمل هذه المنظومة برمتها.

هذه البلدان الخليجية الست تشترك مع بعضها البعض في مميزات معينة، وفيما نحن بصدد مناقشته في الامور التالية:

1 ـ انها انظمة ملكية، تحكمها اسر عشائرية، وصلت الى السلطة بحد السيف او بمعونة الحماية البريطانية السابقة، على ضوء التركيبة العشائرية للمنطقة قبل اكتشاف النفط، وفي مرحلة الهيمنة البريطانية قبل الحرب العالمية الاولى.وشكل اكتشاف النفط متغيراً كبيراً وجذرياً بالنسبة للمنطقة عموماً ولهذه الاسر الحاكمة خصوصاً.
فقد اصبحت هذه الاسر الحاكمة تتمتع بامتيازات كبيرة، اقتصادية وسياسية على حد سواء، تعتبر الارض ومن عليها ملكاً لها، وتعتبر بقية الناس: المواطنين رعايا، وبقية السكان وافدين يمكن التصرف بهم حسب ما يراه الحاكم. مستمدة من التراث الاسلامي ما تبرر به هيمنتها المطلقة باعتبارها صاحبة السيادة الكاملة على اراضي الدولة، ومستمدة من الدعم والحماية الاجنبية (البريطانية سابقاً والامريكية لاحقاً) سنداً في مواجهة كافة القوى التقليدية (الوهابية مثلاً او الاباضية او الشيعية) او الحديثة (الناصريين والقوميين والبعثيين والشيوعيين وغيرهم).

2 ـ وسواء في البلدان التي وضعت دساتير لها او تلك البلدان التي لم تضع دساتير لها، فان هناك وضعية خاصة للاسرة الحاكمة، لا يجوز المساس بها، وبالتالي فان الوضع الراهن قابل للاستمرار سنوات طويلة، خاصة بعد أن فشلت كافة محاولات التغيير الانقلابي الثوري بمختلف اشكاله، سواء من قبل قوى عشائرية اخرى تتوق للحكم او من قبل مغامرين عسكريين في بعض الجيوش او من قبل حركات راديكالية ارادت استلام السلطة واقامة انظمة جمهورية، تقدمية او اسلامية، سواء في عمان او المملكة السعودية، خاصة بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وغياب المشروع العربي البديل، او بعد التقارب الايراني السعودي. ومن ناحية اخرى التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الامريكية وبين هذه الانظمة، بحيث يمكن القول بان للدول الغربية والرأسمالية عموماً مصلحة استراتيجية في بقاء هذه الانظمة، مع سعيها المتواصل لمساعدتها او الضغط عليها لاجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وادارية واقتصادية وتعليمية كبيرة فيها، تلبي احتياجات هذه الدول في خلق عالم على شاكلتها في المنطقة، تابع لها على الصعيد الاقتصادي بالدرجة الاساسية، وضامنة لأمنها من اية تغييرات قد تجلب قوى معادية للغرب عموماً. الا ان جزءاً اساسياً من اشكاليات الاصلاح يكمن في الاوضاع الخاصة لهذه الاسر الحاكمة، ولعل الوضعية الكويتية الراهنة خير دليل على ذلك.

3 ـ وحيث يمثل النفط ابرز ثروة للمنطقة، فان افراد هذه الاسر الحاكمة، اصبحوا هم قمة الطبقة الرأسمالية في كل بلد وعلى مستوى المنطقة، وبالرغم من ان البعض يتمتع بامكانيات خلاقة في تطوير قدراته الاقتصادية، الا ان السمة الاساسية ان افراد هذه الاسر يتمتعون بامتيازات كبيرة بحصولهم على بعض مداخيل النفط، كما انهم يرفضون الا المشاركة الواسعة في كافة النشاطات الاقتصادية في البلاد كوكلاء للشركات الاجنبية، ناهيك عن الامتيازات السياسية بحيث تحولت هذه الاسر الى ما يمكن تسميتهم بالعمود الفقرى للحزب الحاكم على صعيد كل بلد وعلى صعيد المنطقة برمتها.
وبالرغم من ان الوعي السائد في المرحلة الاولى من اكتشافات النفط كان الوعي القبلي والديني والمذهبي، الا ان بروز قوى اجتماعية جديدة، ودخول الشركات الرأسمالية الى المنطقة قد أدخل معه الوعي السياسي الحديث بالحقوق الاقتصادية وتحسين ظروف العمل، ثم الوعي السياسي بضرورة المشاركة في صنع القرار السياسي، ومع بروز الثورات والانقلابات في المشرق العربي، كان التوجه الانقلابي سائداً لدى الحركة السياسية المستقلة او تلك المرتبطة بالناصرية او القومية بأشكالها.