2004-12-16
افرايم اسكولاي
في 12 كانون الثاني استانف الاتحاد الاوروبي محادثاته التجارية مع ايران بعد توقف استمر 18 شهرا، وفي نفس اليوم وصل مفتشي وكالة الطاقة الذرية ايران للبحث في الشكوك حول قيام ايران بتجارب على اسلحة نووية والتي تم اجراؤها في قاعدة "بارتشين" العسكرية بالقرب من طهران، وتبعا لمصادر ايرانية رسمية فان نطاق الزيارة للمفتشين سيكون محدودا ولن تكون جميع المواقع مفتوحة للتفتيش.ان التطورات الاخيرة جاءت بناء على الجهود الدولية المستمرة لتحديد برنامج ايران النووي.كما ان موضوع المحادثات الجاري ما بين دول الاتحاد الاوروبي الثلاث "فرنسا، المانيا، بريطانيا" سيتركز في الاساس حول هذه الجهود والبرنامج النووي الايراني، ان محور الموضوع الان يدور حول مدى رغبة ايران بالتخلي عن طموحاتها النووية العسكرية مقابل تحقيق مكاسب اقتصادية حقيقية. وان نتيجة المبحاثات الجارية ستعتمد في الاساس على عزيمة وتصميم دول الاتحاد الاوروبي الثلاث امام الاصرار الايراني والذي من شانه ان يقرر المرحلة المستقبلية للشرق الاوسط وبقية العالم ايضا.
ان الطموحات الايرانية النووية انعكست وبوضوح على مدى ونطاق البرنامج النووي نفسه، من حيث ان هناك سجلا للجهود التي بذلت من قبل الجانب الايراني في محاولة لاخفاء طبيعة البرنامج النووي والجهود التي يبذلها الايرانيون لاعاقة وعرقلة عملية التفتيش على منشاتها النووية وتصميم ايران على المضي قدما في جهودها من اجل تخصيب اليورانيوم. وبالمقارنة مع ما يجري فان الجهود الاوروبية لم تبدي تصميما مشابها للتصميم الايراني فان الموقف الاوروبي كان ولا يزال يسعى الى توقيف البرنامج النووي وتعليقه والذي يعرف على انه قياس مؤقت لبرنامج تخصيب اليورانيوم الايراني، ومع بعض الاضافات البسيطة فان الاوروبيين لم ينتقدوا وبصراحة طموحات ايران النووية وعلى الاغلب فان هذا الموقف جاء لاعتبارات سياسية، فعلى سبيل المثال فان الرغبة الايرانية تتمثل في ان يكونوا "وسطاء صادقين" بدلا من ان يكون هناك أي ثقة في براءة ايران، ولكن مع فشلهم القيام بذلك فانهم قد عرضوا انفسهم الى الشبهات والشكوك في دوافعهم الخفية.
وقبل ان تبدأ الجولة التالية من المفاوضات صرح مصدر ايراني رفيع المستوى في مؤتمر صحفي بانه اذا لم تسير المفاوضات بشكل جيد فان ايران وفي شهر اذار القادم ستستمر في برنامج تخصيب اليورانيوم مع انها تستطيع ان تؤجل ذلك حتى شهر حزيران 2005 وفي نفس السياق فان المصدر الرسمي اعلن بان ايران لن تلغي دورة عمل وقودها النووي، فاذا كانت المشكلة الاوروبية هي مشكلة "دورة الوقود" فان المفاوضات في هذه الحالة ستكون بدون جدوى. كما يمكن اعتبار هذا التصريح واضح جدا في تعبيره عن الموقف الحقيقي لايران ويجب على دول الاتحاد الاوروبي الثلاث ان تعتبره كذلك، عندئذ يجب ان يتم تقييم الخطر النووي الايراني للعالم وفيما اذا كان يجب ان تستمر ايران ببرنامجها العسكري ام لا,كما ان عملية تخصيب اليورانيوم تعتبر خطوة اساسية على هذا الصعيد.
يجب على دول الاتحاد الاوروبي الثلاث ان تركز في المفاوضات الحالية على ثلاث أهداف مركزية وهي كالتالي:
1-يجب على ايران ان تتخلى تماما طموحاتها النووية العسكرية
2-يجب التحقق من النشاطات الايرانية على هذا الصعيد بشكل صارم
3-واي امكانية متوفرة لايران في اعادة بناء برنامجها النووي يجب ازالتها.
وتبعا لذلك فان على ايران ان تغلق وتفكك نشاطاتها الاصلية على صعيد دورة الوقود النووي،وبالنسبة لمفاعلاتها المستقبلية يجب ان تكون من النوعية المقاومة للتخصيب بكلمات اخرى لا تتوفر فيها امكانية تخصيب اليورانيوم وكما يجب اعادة الوقود النووي المشع الى الموردين، هذا بالاضافة الى التدقيق الصارم والبحث المستمر عن النشاطات الغير معلنة في هذا الاتجاه كما يجب اتخاذ اجراءات معينة في حال ثبوت ان ايران لا زالت تتبع نفس البرنامج. وعلى الرغم من ان ايران قد وقعت البروتوكول الاضافي للتفتيش ولكنها لم تصادق عليه حتى الان، وعلى اية حال فان البروتوكول لا يضمن تفتيش شامل عن المواد والمنشآت والنشاطات الغير معلنة. ولذلك يجب التوصل الى اتفاق جديد فيما يتعلق بهذا الموضوع. وبالمقابل فان امدادات الوقود النووي للمفاعلات النووية الايرانية يمكن ضمانها تبعا لاسعار السوق العالمية وتبعا للتطبيق المضمون والآمن لهذه الاتفاقية عند ذلك فانه من المحتمل ان تعاود اوروبا علاقاتها التجارية والاقتصادية مع ايران.
ان افضل النتائج المحتملة للمفاوضات بان ترضخ ايران لمطالب الاتحاد الاوروبي في التطبيق الكامل للنقاط الثلاث السابقة، ولكن اذا رفضت ذلك فان ذلك قد يحدث ازمة كبرى وعندها فان الخطوة الاولى ستكون في عرض القضية امام مجلس الامن الدولي. ولكن وتحت أي ظرف توافق فيه دول الاتحاد الاوروبي الثلاث على التساهل في مطالبها فقد تكون هذه الفرصة التي تنتظرها ايران للاستمرار في مشروعها النووي سواء كان ذلك من خلال فرض حقوقها العلنية للحصول على دورة الوقود النووي او اتبعت اساليب سرية لتامين ذلك، لذا يجب ان يكون هناك تاجيل حتمي لكافة النشاطات.
وفي كلتا الحالتين وفيما لو رفضت ايران بان تتخلى تمام عن برنامجها النووي للاغراض العسكرية فان المشكلة ستذهب في اتجاه التوقيت لازمة حقيقية. وعلى الرغم من ان هناك ميل طبيعي يسير باتجاه تاجيل أي تهديد بالمواجهة. وقريبا سيكون التعامل مع هذا الموضوع هو الطريق الوحيد لتفادي أي تدهور استراتيجي في المنطقة.
واذا استمرت ايران في السعي لتطوير اسلحتها النووية وحصلت او باتت قريبة من الحصول على القدرات النووية فان هناك احتمال بان تشعر السعودية بانها مرغمة على البحث عن مظلة نووية من باكستان سواء كان ذلك عبر اتفاقية التعاون الموجودة بين البلدين او عبر عقد اتفاقية جديدة على هذا الصعيد، وسيكون على الاخرين في المنطقة السعي للحصول على امكانيات نووية وخاصة تركيا ومصر، وستكون العراق في المستقبل البعيد مرغمة على تطوير امكانياتها الدفاعية، ان جيران ايران يشعرون بالتهديد وسيكون هذا التهديد بصورة اكبر في حال جاءت نتائج مفاوضات الاتحاد الاوروبي مع ايران غير واضحة وغير اكيدة. وعلاوة على ذلك فالعديد من جيران ايران دول نفطية واي تهديد لهذه الدول سيكون له تاثيرات عميقة على بقية العالم. وباختصار فان الديناميكا الاقليمية ستتعطل في ظل وجود الامكانيات النووية ومن هذا الباب ياتي ضرورة منع ايران من الحصول على القدرات النووية.
ان المتغير الحرج في كل هذا هو عزيمة الاوروبيين، اذ يجب عليهم ان يدركوا الان بان الوقت قد فات ولا مزيد للتاخير في اتخاذ الاجراءات على صعيد بناء الثقة مثل السماح بالقيام بالتفتيش على المواقع المشبوهة. ان النقاشات الحالية تحتاج لان تكون هي ذروة المفاوضات اكثر منها لان تكون بداية لمرحلة اخرى في اطار عملية لا تنتهي. على أي حال وبالاعتماد على الاداء السابق فليس هناك ارضيات صلبة من المتوقع ان يقبل بها الاتحاد الاوروبي، وللتصرف بصورة اخرى فهم سيحتاجون الى تشجيع فعال من اللاعبين الاخرين الموجودين في الساحة الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وبشكل بارز من الدول المجاورة لايران.
- المصدر: مركز جافي للدراسات الاستراتيجية/ Jaffee center for strategic studies
- ترجمة : مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة