A+ A-
ورقة عمل العقيد عودة شديفات مدير التوجيه المعنوي في القوات المسلحة في ورشة عمل "الامن والاعلام ...الرأي العام
2011-06-25
اصبحت العلاقة بين الاعلام والامن الوطني هاجسا وتحديا في عالم اليوم ، لا سيما في ظل التحديات التي يشهدها العالم وتعيشها الامة ويدفع ثمنها الانسان .

ومع تعاظم ثورة الاتصالات وتحول الكرة الارضية الى قرية كونية توارى فيها حاجز الزمان والمكان ، اصبحت وسائل الاتصال الجماهيري او وسائل الاعلام اقوى الوسائل اثرا واكثرها فاعلية في تشكيل التوجهات ، وتوجيه السلوك ، والتاثير على بنية الثقافة ، حيث يجد الانسان نفسه امام تساؤلات كثيرة وتحديات جسيمة ، تدفعه الى التجسير بينها لادراك مضامينها وغاياتها واهدافها وان يوظفها ويتفاعل مع مخرجاتها حتى لا يجني على نفسه وامته ووطنه .

فالامن الوطني لم يعد في ظل الاعلام وثورته وتحديات العولمة مجرد مواجهة بالقوة والسلاح لكل ما يتهدد مصالح الدولة ، وواقعها وتطلعاتها ومجمل نظامها السياسي، لكن ابجدياته تبدا بالتربية الاجتماعية والوطنية والسياسية والثقافية والاقتصادية وحتى العسكرية بكل تجلياتها امام ولوج العالم افقا حياتيا جديدا يقوم بنيانه على اسس الانفتاح والحرية والشفافية والتمايز بين الناس على قاعدة القد رة على التفكير والابداع وبالتالي العطاء وا لانجاز .

تنبع اهمية الاعلام من كونه الاداة الرئيسية في عملية الاتصال الجماهيري التي توسعت افاقها ، وزادت ابعادها وتشعبت مجالاتها مع ثورة المعلوماتية والاتصالية والتكنولوجية الحديثة ،الامر الذي لم تشهده البشرية منذ بواكيرها وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين ، والاعلام من هذه المقاربة يعد في نظر اصحاب التخصص ( عملية النشر وتقديم المعلومات الصحيحة وا لحقائق الواضحة ، والاخبار الصادقة والموضواعات الدقيقة المحددة ، والافكار المنطقية و الاراء الراجحة للجماهير ، مع ذكرها مصادرها خدمة للصاح العام . ويقوم على مخاطبة عقول الجماهير وعواطفهم السامية وعلى المناقشة والحوار والاقناع بامانة وموضوعية ).

لقد ظهر ذلك جليا من خلال سن المزيد من القوانين لتخسير الاعلام في حفظ الامن الوطني في الدخل من خطر هجمات الارهاب ، وفي ميادين القتال في الخارج لمطاردته ، فاصدرت امريكا بعد هجمات ايلول ما عرف ب (قانون باتريوت )، وهو قانون الدفاع رقم واحد الذي يسمح لها بالمراقبة والملاحقة والاعتقال ومراقبة كل ما قد يشكل خطرا على الامن بما فيه الاعلام ، وهو ما عكسته تصريحات المسؤولين كوزير الدفاع ( رامسفيليد ) الذي دعا الى عدم معارضة الرئيس " لان انتقاده يشجع اعداء واشنطن ويعرقل حربه على الارهاب" 4 ، وحتى وزير الخارجية السابق ( كلون باول ) هو الاخر الذي صرح " بان امريكا في وضع تاريخي لا يجرؤ احد معه على المساس بها".

وهذا كله جعل ( وليام رو ) يقول في الواشنطن بوست " عمدت الادارة الامريكية الى تفعيل مكتب الاعلام برسالته الرسمية ، مما انعكس على العاملين في الميدان حيث كان انتقاء الاخبار و التعليقات يعكس اراء مطابقة لوجهة النظر ا لرسمية عن الحرب " ولاشاعة ذلك عالميا استحدثت امريكا ( مكتب التاثير الاستراتيجي ) التابع للبنتاغون لنشر معلومات مضلله عبر وسائل الاعلام الاجنبية.

الاعلام الاردني والامن الوطني
في ظل التغيرات الحاصلة في الإقليم والعالم فاننا في القوات المسحلة ننظر الى الاعلام الاردني بكل التقدير والاحترام ، ونعتبره شريكا رئيسيا في حماية الامن الوطني الاردني لا سيما في ظل تحديات العولمة وما اصبحت تشكله من ضغوط على الموروث الاستراتيجي للامه حيث تتطلب المرحلة الراهنة والمستقبلية التعامل معها بعقلية واساليب جديدة ومغايرة لما كان . وقد اكد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في اكثر من لقاء على اهمية دور الاعلام في انجاح عملية الاصلاح .

حيث يشكل الصحفيون الاردنيون اساس الاعلام الاردني وهو مواطنون اردنيون لا يمكن ان نزاود عليهم باي حال من الاحوال ولا يكمننا القول اننا كثر انتماء وولاء منهم ولا يعني اننا بالباسنا للبزة العسكرية وحملنا لشعار الجيش العربي اكثر اردنه منهم او اهتماما بالامن الوطن، فهمن يحملون القلم ، ونحن نحمل البندقية ويشكل كلانا ثنائية مهمة تقف في خندق الوطن دفاعا عن مصالحه الحيوية ضد التهديدات او التحديات الداخلية والخارجية على السواء .

واستطيع القول انه في ظل المستجدات وما نشهده من احداث جسام في عالم اليوم ، خاصة ما جرى ويجري في ظل طروحات ومقاصد الحرب على الارهاب ، وعلى وجه الخصوص تداعيات حرب الخليج الثالثة ، هذه الحرب التي تم خوضها علميا وتم الوصول الى نهاياتها الاستراتيجية قبل ان تطلق طلقة واحدة ، استطيع القول ان لنا في القوات المسلحة ذخيرة كبيرة لدى اعلامنا الاردني ، حيث نعول على القائمين عليه ان يقوموا بصوغ سياسات واستراتيجيات اعلامية قادرة على تسويق الوطن بمنجزاته الى الخارج ، وفي الوقت نفسه الدفاع الى جانب قواته المسلحة واجهزته الامنية عن مكتسباته وعن كيانه اذا تهددته الاخطار – لا قدر الله – انظلاقا من ايماننا بقدرتهم وكفاءتهم وما يمكن ان يقدموه في هذا الاتجاه .

قد نختلف احيانا في الراي حول مواضيع كثيرة ، لكن الذي يجب ان لا نختلف فيه على الاطلاق هو ( الاردن )، من منطلق انه الوطن الذي منه نستمد الاسم والجنسية وهو الام الرؤوم والعباءة الضافية على الدوام ، وعليه ، فعندما نقول الامن الوطني الاردني ، فاننا نقصد المفهوم بابعاده الشاملة الاقتصادية السياسية ، الاجتماعية والعسكرية وبعبارة ادق فالامن الوطني يلامس عناصر قوة الدولة وتكاملها في حالتي الدفاع او التهديد وا لتحدي .

وفي ضوء ما سبق ، فان الدستور الاردني ، والرؤية الملكية للاعلام ، تشكل جميعها مرجعية تؤسس لحرية اعلامية اردنية ، تجعلنا متقدمين على كثير من بلدان الاقليم الذي نعيش فيه وحتى في العالم ، حيث يقول جلالة القائد الاعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين " حرية الاعلام سقفها السماء " وهذا بحد ذاته يشكل اطارا للاعلام الذي نريد وبما يتلاءم والاردن العربي المسلم والقائد الانموذج في المنطقة ، وهنا لا بد من القول ان جلالة القائد الاعلى وعندما اطلق هذا الشعار ، فهو يقصد الاعلام الحر المسؤول ، الاعلام المبادر ، الشفاف الواضح ، الذي يحترم عقل المواطن ويبتعد عن الاسفاف او المبالغة ، اعلاما ذا شخصية وطنية وليس اعلاما تابعا او بوقا يردد منهج الاخرين ، اعلاما يعي ويدرك مصلحة الاردن وامنه الوطني ، ويدرك مصالح الامة العربية الاسلامية وما تتعرض له من ضغوطات .

وهنا استطيع القول ان جلالة القائد الاعلى برؤيته الملكية للاعلام قد وضع على كاهل الاعلام الاردني والعاملين فيه مسؤولية وتحد كبيرين الامر الذي يتطلب منا ادراك ما يرمي اليه جلالته من مقاصد وغايات . ولمزيد من الايضاح ، فان اقصى ما يرمي اليه جلالته برؤيته للاعلام ، هو التاكيد على انه لا يمكن ان يكون هناك اي تعارض مع بين الامن الوطني وحرية الاعلام المسؤول على الاطلاق . وعليه فان المسؤولية الاعلامية لا تشكل كما انها لا تعني عند ممارستها او مراعتها ، تحديدا او تقييدا على حرية الاعلام ، والاعلامي عندما يقوم بممارسة الاعلام المسؤول ، فان ذلك لا يتعارض مع الشفافية والوضوح اوحتى مع الادبيات الاعلامية في بلدان العالمي ، اي ان الوصول الى المعلومة ونشرها يجب ان يكون محكوما بمهنية واحترافية عالية ، تدرك ان نشر الحقيقة يجب ان لا يسهم في تدمير مصالح الوطن وبالتالي اضعافة .

اننا في القوات المسلحة ندرك مفهموم الامن الوطني وحدوده بكل ابعادهما ، واننا نجل ونحترم اعلامنا الموقر ، ونعول في الوقت نفسه على اهل العزم من الاردنيين العاملين في الاعلام ان يثابروا على مزيد من ادراك ووعي مفهوم الامن الوطني وحدوده وابعاده ، وان يسال اي منهم نفسه السؤال التالي قبل ان يقدم على نشر اية معلومة مهما كانت درجة سريتها : هل لما سانشره اي تاثير على الامن الوطني الاردني ؟ وان يكرر السؤال بينه وبين رئيس التحرير ايضا ، لان كل ما سينشر ان كان تاثيره ادنى على الوطن فالامر هين ، لان الوطن للجميع وعندها تبدا عند الجميع اهمية الوعي الوطني والحفاظ على المصلحة الوطنية العليا .

وفي ظل هذه المسائل وغيرها نتساءل عن مدى وعي القائمين على الاعلام بمفهوم الامن الوطني ، واين تنتهي حرياتهم في اطار الحرية المسؤولة ، التي تضفي على عملها مهنية عالية باعتبارهم السلطة الرابعة ، وحراس البوابة الاعلامية للوطن والمواطن ، الذين نامل منهم ان يدركوا تماما ان الكلمة ابلغ من الطلقة ان احسنت ادارتها ...سلاحهم هو الكلمات التي قد تخرج الافعى من حجرها ان احسنت صياغتها بدبلوماسية تراعي مصلحة الوطن دون مجاملة او مواربة او نفاق ، كما انها قد تشعل الحروب كما قال الشاعر " وان الحرب مبدؤها الكلام " بل وتوقظ الفتن ، وتذكي في النفوس الحقد والكراهية ، وتغرس بين الشعوب والامم بذور الشك ، و تهدم بناء سنين طويلة جراء خبر او تصريح تحمله وسائل الاعلام فالامل ان نصل الى المستوى المهني والعمل بحرفية عالية نصون من خلالها امن وطننا باحساس المواطن المنتمي الى تراب الاردن العابق بالحب والامل ونكران الذات ؟، فالاعلام ليس للترفيه والتسليه فحسب بل هو علم وفن واحتراف ، بلعب دوره البارز في تثبيت الهوية وتاصيل الثقافية وتطوير وتعزيز السلوك والتوجهات .

لقد اتاح الوطن بقيادته الراشدة مزيدا من الحرية لوسائل الاعلام والاعلاميين ، واكد جلالة قائدنا الاعلى ، انه لا سقف لحرية الاعلام المسسؤولة ، التي في اطارها يكون الصحفي واعيا ومدركا لمعنى المواطنة ، ويستشعر المهني الراقي معنى ان يكون اهله ووطنه امنين مطمئنين.