A+ A-
إضاءات حول الحاجة لمدونة سلوك لأعضاء مجلس النواب الأردني
2010-01-12
إن الجهد المبذول لبلورة مدونة سلوك نيابية، يعكس إدراك المجتمع المدني في أن يكون له إسهام أكبر في تطوير الأداء البرلماني، هذا التطوير لا غنى عنه باعتباره جزءاً لا يتجزأ من متطلبات الإصلاح السياسي. لكن اعتماد مدونة السلوك النيابية رسمياً سيكون مطروحاً على جدول أعمال مجلس النواب القادم في إطار مهمة تعديل النظام الداخلي للمجلس التي لا يمكن الارتقاء بالعمل النيابي وتجاوز ثغراته ومكامن ضعفه دون إنجازها.
 
وبما أن مركز القدس للدراسات السياسية، قد زود المشاركين في هذه الندوة بأوراق خلفية تشتمل على مبادئ مقترحة لمدونة سلوك لأعضاء مجلس النواب الأردني، إضافة إلى نص مدونة السلوك لأعضاء مجلس العموم البريطاني، والتي تشكل بمجموعها مادة جيدة لصياغة مدونة سلوك نيابية أردنية، لذا سأركز على عدد من النقاط الأخرى ذات الصلة بموضوع المدونة، أبرزها:
 
1- التوقيت:
لا بد من الإشارة بداية إلى أن التوقيت الذي تأتي فيه هذه المبادرة لبلورة مدونة سلوك لأعضاء مجلس النواب الأردني يعدّ في منتهى الأهمية، لأن الظروف التي جرى فيها انتخاب مجلس النواب الخامس عشر (المنحل)، لا سيما من حيث عدم توافر عنصر النزاهة في انتخاب القسم الأكبر من النواب، ثم جملة المظاهر السلبية التي رافقت عمل المجلس، تجعل من فكرة مدونة السلوك مسألة وطنية ذات أولوية. فالمواطنون فقدوا ليس فقط الثقة بالمجلس الخامس عشر، بل أيضاً ما تبقى لهم من ثقة بالجناح المنتخب من المؤسسة التشريعية والذي يفترض فيه أنه يمثلهم. وقد شكّلت هذه اللوحة، الخلفية التي استند إليها حل مجلس النواب الخامس عشر.
 
لقد أشار سعادة رئيس الجلسة إلى أننا نشهد موضة في هذه الآونة باتجاه مدونات السلوك. وفي باب التفسير الإيجابي لهذا القول، أود أن أذكر أنني حاورت سعادته من موقعه النيابي قبل فترة حول متطلبات إصلاح العمل النيابي وتعديل النظام الداخلي للمجلس في إطار مادة أعددتها لمجلة "السجل"، فأكد على ضرورة تبني مدونة أخلاقية لسلوك النواب، وكان ذلك قبل حل مجلس النواب.
 
كذلك أذكر أن د. رجائي المعشر أكد قبل حوالي تسعة أشهر في ندوة عقدت في مدينة السلط حول الإصلاح السياسي واللامركزية على ضرورة اعتماد مدونة سلوك برلمانية. إذاً هذان صوتان لا على التعيين من داخل مجلس الأمة طالبا في وقت سابق بميثاق أخلاقي أو مدونة سلوك نيابية، ما يؤكد أهمية الموضوع وضرورته.
 
والآن نحن أمام تأكيدات إضافية في هذا الاتجاه. فقد طالب كتاب التكليف الملكي، حكومة السيد سمير الرفاعي "بأن تعيد تقييم آليات تعاملها مع مجلس النواب بما يضمن إعادة تصحيح هذه العلاقة لتقوم على التعاون والتكامل في خدمة المصلحة العامة، وبحيث تمارس السلطتان صلاحيتهما الدستورية من دون تغول سلطة على أخرى، أو اللجوء إلى تفاهمات مصلحية تجعل من تحقيق المكتسبات الشخصية شرطاً لاستقرار علاقة السلطتين".
 
 
كما طالب كتاب التكليف، الحكومة "إعداد ميثاق شرف ملزم يوضح الأسس التي تحكم كل تعاملات الحكومة مع أعضاء مجلس النواب وفق الدستور والقانون"، من أجل ما أسماه "عدم تكرار أخطاء الماضي".
 
وأعرب كتاب التكليف عن أمله في أن يبادر مجلس النواب الجديد أيضاً إلى "إصدار وثيقة مماثلة تطمئن الأردنيين إلى أن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية محكومة بمعايير تحقق المصلحة العامة والتكامل الدستوري والقانوني والسياسي المطلوب لخدمة الوطن، وليست مرتهنة للاعتبارات والمكتسبات الشخصية الضيقة".
 
استعادة ثقة المواطنين بممثليهم في السلطة التشريعية، يحتاج إلى ضمان أن تكون انتخابات مجلس النواب القادم قبل نهاية هذا العام، نزيهة، كما يتطلب ذلك إعادة الاعتبار لمكانة النائب في أعين المواطنين من خلال مدونة سلوك نيابية، تشكل ناظماً لسلوك النواب.
 
2- إشهار الذمة المالية للنائب:
إن فرصة أن يقوم مجلس النواب القادم، بصياغة مدونة سلوك لأعضائه، مسألة نعتقد أن طريقها سالك، بالنظر إلى أن العقبة الرئيسية التي كان يمكن أن تعطل إقرار المدونة، قد أنجزت أواخر العام 2006، بصدور قانون رقم 54 لسنة 2006، قانون إشهار الذمة المالية، والذي يملي على أعضاء مجلس الأمة إلى جانب الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، تقديم إقرار عن ذمة كل منهم المالية وذمة زوجته وأولاده القصر كل سنتين، وعند تركه الوظيفة أو زوال الصفة عنه.
 
3- مراجعة تجربة المجالس النيابية:
إن مدونات السلوك التي تلتزم بالمعايير الدولية تقر بحاجة مدونات السلوك الوطنية إلى استيعاب الخصوصيات المحلية في صياغاتها. ومن هذا المنطلق، فإننا نعتقد أن صياغة مدونة السلوك ينبغي أن يأخذ بالاعتبار مراجعة تجربة المجالس النيابية للتعرف على أنماط مظاهر الخلل التي تستدعي التوقف أمامها، وإيجاد صياغات مناسبة تعالجها أو تستوعبها.
 
فمثلاً، هناك أكثر من مجلس نيابي انزلق لاتخاذ قرارات تشريعية محكوماً بمصالحه الخاصة أو بمواقف شخصية، مثلما حصل مع المجلس الخامس عشر عندما رد مشروع القانون المعدّل لقانون رعاية الثقافة لسنة 2006 لـ "معاقبة" الصحافة على موقفها من المجلس، والمجلس الثاني عشر الذي منح النائب الحق في الحصول على تقاعد مهما كان عدد سنوات نيابته. لا سيما أن هذا الحق امتد إلى إعادة النظر في تقاعد أي موظف سابق أصبح نائباً باتجاه احتساب تقاعده القديم على أساس مخصصاته الجديدة. هذا النماذج المخلة بالمصلحة العامة، تتطلب أن تشتمل مدونة السلوك في طليعة مبادئها على بند رئيسي ينص على مبدأ تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة أو المواقف المحكومة بالشخصانية، وهكذا.
 
وكذلك الأمر، إذا توقفنا أمام المشكلة الواسعة النطاق للغيابات النيابية دون عذر في تجربة المجلس الخامس عشر، فإنها تستلزم وضع الضوابط لها، لأن هذا الغياب مربك لعمل المجلس، لا بل أسهم في عدم عقد العديد من الجلسات بسبب غياب النصاب القانوني أو إنهاء جلسات بسبب فقدان نصابها.
 
4- هل النائب بحاجة إلى تمكين أم إلى امتيازات:
الذين يتابعون متطلبات العمل النيابي، يدركون أن النائب بحاجة إلى إمكانيات مادية حتى يتمكن من ممارسة دوره كنائب منتخب عن دائرة معينة، علاوة على احتياجاته المشتركة مع النواب الآخرين بما يسمح له بأداء دوره التشريعي والرقابي على أفضل وجه. هذا الوضع يفترض أن يحصل النائب على مخصصات شهرية له وعلى مخصصات أخرى لإدارة مكتب (مقر) خاص به في دائرته الانتخابية. من الطبيعي أن تكون مجمل هذه المخصصات مجزية وأعلى من الراتب الذي يتقاضاه الوزير، لا يجب أن يكون أي مشكلة في ذلك، المهم أن تكون مخصصات النائب محددة بشكل قانوني، ولا تتحول إلى امتيازات تغدق بها الحكومة على النواب، لأن النتيجة في هذه الحالة هي تكريس السياسات الاسترضائية من طرف الحكومة للنواب، وهذا ينبغي عدم القبول به لأنه يحتمل معنى الإفساد، بينما يجب تكريس النزاهة والندية في العلاقة بين الوزراء والنواب.
 
5- نحو ميثاق شرف للمرشحين للانتخابات النيابية:
يرتبط صدور مدونة السلوك النيابية التي نتحدث عنها بانتخاب مجلس النواب القادم، أي أن الانتخابات سوف تسبق تشكيل المجلس المعني يإقرار مدونة السلوك. صحيح أننا نتطلع إلى التزام حكومة السيد سمير الرفاعي بالتوجيهات الملكية بإجراء انتخابات" تكون أنموذجاً في والحيادية والشفافية"، وصحيح أيضاً أن الحكومة مكلفة بـ "تعديل قانون الانتخاب وتحسين جميع إجراءات العملية الانتخابية"، إلا أننا بحاجة إلى جهد مجتمعي واسع لإشاعة ثقافة انتخابية ديمقراطية تؤمن باحترام سيادة القانون ونبذ سلوكيات خرق قانون الانتخاب والتي باتت شائعة على نطاق واسع، مثل تصويت المتعلمين كأميين، نقل تسجيل ناخبين بكثافة إلى مناطق ليسوا من أبنائها، شراء الذمم، وغير ذلك.
 
إن جانباً من الجهد المجتمعي المطلوب يتطلب المبادرة إلى صياغة ميثاق شرف للمرشحين للانتخابات النيابية، بحيث يكون مطلوباً من المرشحين إعلان التزامهم بهذا الميثاق، وعدم ممارسة ما يتعارض معه خلال الحملة الانتخابية.