


2008-04-17
غاريث جنكينز
ترجمة صادق أبو السعودمركز القدس للدراسات السياسية
تواجه تركيا ومنذ زمن طويل مجموعة واسعة من التهديدات الإرهابية المحلية، والتي تتراوح بين المتطرفين اليساريين والأكراد، الى الجماعات الاسلامية في الأوساط التركية المحلية، وصولا الى المليشيات والجماعات التركية المسلحة سواء المتعاطفة منها أو التابعة للمنظمات العالمية مثل تنظيم القاعدة. إن الموقع الجغرافي لتركيا والثغرات الحدودية لعبت في كثير من الأحيان دورا كبيرا في إزدهار السوق السوداء المتعلقة بالوثائق الشخصية المسروقة والتي جعلتها أيضا واحدة من أهم بلدان العبور للمقاتلين الاجانب.
أصبحت أجهزة الأمن ودوائر تنفيذ القانون التركية بارعة في مراقبة وإختراق المنظمات المحلية المصنفة على أنها تشكل تهديدا للأمن القومي، ولكن تبقى سياسة وجهود مكافحة الإرهاب المحلي متعثرة بسبب محدودية التشريعات اللازمة لمثل هذا الملف وكذلك محدودية البنية التحتية للتقنية المتطورة الضرورية لتحقيق النتائج المطلوبة في مكافحة الإرهاب، والتغاضي عن المعلومات الواقعة في دائرة الشك، والإتجاه نحو التركيز على التهديدات المؤكدة بدلا من المخاطر المحتملة.كما أن الشكوك المماثلة وأوجه القصور تعمل في كثير من الاحيان على عرقلة التعاون الدولي ضد المنظمات الدولية، ويتفاقم ذلك مع الطبيعة المبطنة للإستراتيجيات والتشريعات التركية المتعلقة بمكافحة الارهاب.
التهديدات الإرهابية المنظورة
المادة الأولى من القانون التركي " ذو الرقم 3713 المتعلقة بشأن مكافحة الإرهاب " والتي تعرف الإرهاب فقط من خلال الخطر الذي يمكن أن يشكله على الدولة التركية، وعلى الرغم من الشكاوى المتكررة لأنقرة حول تسامح بعض الدول مع نشاطات المجموعات المرتبطة ببعض المنظمات التي تستهدف تركيا، مثل حزب العمال الكردستاني، إلا أنه لا يوجد بند في القانون التركي ينص على القيام بإجراءات معينة ضد المنظمات التي لا يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدا للأمن التركي الداخلي.
القائمة الوحيدة بالتنظيمات الإرهابية المحظورة هي المنشورة على موقع للشرطة الوطنية التركية ضمت "12 مجموعة رئيسية من الجماعات الارهابية النشيطة في تركيا"، أربعة منها مجموعات يسارية، ثلاثة كردية، وخمسة إسلامية، وعلى الرغم من أن القائمة تضم القاعدة، إلا أنها تصفها بإسم"منظمة القاعدة الإرهابية فيتركيا ".
البنية التحتية المؤسساتية
تعتبر منظمة الاستخبارات الوطنية هي الهيئة الرئيسية لجمع المعلومات الاستخبارية في تركيا، والتي تتبع مكتب رئاسة الوزراء، وتقوم بجمع كافة المعلومات الاستخبارية حول التهديدات المنظورة للأمن القومي.
وبموجب القانون التركي، فإن مسئولية تطبيق القانون تنقسم بين الشرطة الوطنية التركية والتي تقع ضمن مسئولية وزارة الداخلية والمسئولة عن المناطق الحضرية، وقوات الدَرَك " الجندرمة " المسئولة عن المناطق الريفية. ومن الناحية النظرية، فإن قوات الدرك من مسئولية وزارة الداخلية في أوقات السلم لتصبح تحت مسئولية القيادة العسكرية في وقت الحرب. ومن الناحية العملية ترتبط مؤسسة الدرك بصورة أوثق مع هيئة الأركان العامة التركية، ويقودها دائما جنرال على سبيل الإعارة من القوات البرية التركية.
الى جانب منظمة الإستخبارات الوطنية، فإن الشرطة الوطنية التركية، وقوات الدرك تقومان بجمع المعلومات الإستخبارية المتعلقة بالجماعات الإرهابية، ويسمى الذراع الإستخباري لقوات الدرك " جهاز استخبارت الدرك ومكافحة الإرهاب ". كما تملك الشرطة الوطنية التركية قسم لمكافحة الإرهاب يتألف من ثلاثة أفرع:
1. فرع لمكافحة الإرهاب اليساري.
2. فرع لمكافحة الإرهاب الإنفصالي مثل حزب العمال الكردستاني.
3. فرع لمكافحة الإرهاب اليميني، والذي من الناحية العملية يعني الجماعات الإسلامية العنفية.
وبالاضافة الى ذلك، يوجد هناك الافرع الثلاثة للقوات المسلحة التركية- أي القوات البرية، والقوات الجوية والبحرية – حيث لكل من هذه القوات جهازها الاستخباراتي الخاص بها، ومن الناحية العملية، فإن جهود هذه الأجهزة لمكافحة الإرهاب تتركز أساسا ضد حزب العمال الكردستاني.
المؤسسات المتنافسة وقدراتها
لا يوجد في تركيا مؤسسة واحدة من المؤسسات الأمنية المذكورة آنفا تنسق نشاطاتها في مكافحة الإرهاب مع مثيلاتها من المؤسسات الأخرى، وذلك على خلاف العديد من الدول الأخرى، والتي فيها وكالة الاستخبارات الداخلية، جزء لا يتجزأ من مخططات الأمن القومي، حتى أن منظمة الاستخبارات الوطنية ليست ممثلة دائما في مجلس الأمن القومي والذي يلتقي مرة واحدة كل شهرين لمناقشة القضايا الأمنية. وبالإضافة إلى التنافس بين المؤسسات الأمنية المختلفة وحرب العصابات، فإن التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية يطغى عليه أيضا الشكوك الأيديولوجية، واحيانا العداء السافر فيما بينها.
تميل قوى العلمانية التركية العسكرية إلى عدم الثقة بالشرطة الوطنية التركية، والتي يشتبه بها بوجود التعيينات السياسية، والمتعاطفين مع الإسلاميين، وعلى وجه التحديد منذ انتخاب الإسلاميين المعتدلين الممثلين بحزب العدالة والتنمية في 2002. والتي كانت من الناحية التقليدية لغاية اوئل التسعينات من القرن الماضي مصدر ثقة لهيئة الأركان العسكرية حين كان يرأسها أحد العسكريين المتقاعدين، بيد أن هاتين المؤسستين قد إزدادتا بعدا عن احداهما الأخرى منذ أن تم تعيين رئيس مدني لجهاز الشرطة الوطنية في 1992، كما أن العديد من المنتمين لسلك الشرطة يشعورون بالإستياء من نظرات الغطرسة والتي غالبا ما يتعرضون لها من قبل العسكريين، ويشتكون أيضا من تجسس المؤسسة العسكرية على هواتف الشرطة.
وفي بعض الأحيان، تبرز هذه التوترات الكامنة الى السطح، ففي عام 2006، قامت الشرطة في انقرة بتسريب وثائق الى الصحافة عن تورط مجموعة من صغار الضباط العسكريين في مؤامرة لزعزعة استقرار الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية، وذلك من خلال الشروع في تنفيذ سلسلة من التفجيرات. وفي الآونة الاخيرة، اعرب العديد من هيئة الأركان عن شكوكهم بأن المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية في صفوف الشرطة يسعون على ما يبدو لتشويه الجيش من خلال الحديث عن وجود مجموعة صغيرة من الضباط الوطنيين المتحمسين وتعمل على تنظيم انقلاب عسكري.
ومن غير الواضح ماهية الأثر العملي لهذه التوترات على الجهود التركية في مكافحة الإرهاب، ومع ذلك فمن المرجح ألا يكون ذلك مفيدا، كما أنه في ظل هذه الأجواء السائدة من مشاعر عدم الثقة المتبادلة بين الأجهزة الأمنية من شأنه أن يؤدي بهذه الأجهزة إلى إتهام احدها الآخر بحجب المعلومات.
ومع ذلك، ومع صيغة العمل الفردية، فقد أثبتت أجهزة المخابرات التركية في كثير من الاحيان نجاحات مهمة في إختراق وتحييد العديد من التهديدات التي تم تحديدها والتعرف إليها. ومع ذلك، فإن درجة النجاح قد تختلف باختلاف طبيعه هذه المنظمة، والمدى الذي قد يُنظر إليها من جهة الخطر الداهم الذي قد تشكله على الأمن القومي التركي.
على سبيل المثال، كانت الجماعات الإرهابية اليسارية في المناطق الحضرية تشكل دائما الأولوية في تركيا، والتي تمركزت بصورة أساسية في المدن مع هيكليتها الهرمية القيادية، والتي برهنت دائما على انها أهداف سهلة نسبيا للمراقبة وتجنيد المخبرين في صفوفها، ونتيجة لذلك يمكن القول أن جميع هذه التنظيمات مخترقة بصورة كبيرة، وبالتالي فقد تم إحباط الغالبية العظمى من الهجمات التي تم التخطيط لها قبل عملية التنفيذ.
في المقابل، وخلال أوائل التسعينات من القرن الماضي، سمحت الدولة التركية للمنظمة الإسلامية الكردية - التركية المعروفة بإسم حزب الله بالعمل مع الإفلات من العقاب في جنوب شرق تركيا لأنها كانت في بادئ الأمر مشغولة في الحرب مع حزب العمال الكردستاني، إلا انه عندما أصبحت الأجهزة الأمنية تخشى من إحتمالية قيام هذه المنظمة باستهداف الدولة التركية، إنقلبت للعمل ضدها. وعلى نحو مماثل وطوال عقد التسعينات، فإن أجهزة الاستخبارات التركية كانت تدرك أن الآلاف من الإسلاميين المتطرفين الأتراك كانوا يسافرون إلى الخارج للقتال في صفوف ما يعرف بالجهاد الدولي. ومع ذلك، وفي ظل عدم مشاركة أي من هؤلاء بأعمال العنف داخل تركيا فقد تم تجاهلهم إلى حد كبير. إلا أنه في تشرين الثاني / نوفمبر 2003، وبعد عودة المقاتلين الأتراك الذين تدربوا في أفغانستان علي يد تنظيم القاعدة، والذين شنوا أربعة هجمات إنتحارية في استنبول، بدأت أجهزة الاستخبارات التركية باستهداف الاتراك الذين سافروا الى الخارج للقتال في سبيل القضايا الإسلامية، أو كانوا على اتصال مع المنظمات العسكرية الأجنبية. ولكن، وحتى اليوم، ينصب التركيز على الأرجح فيما اذا كانت هذه الهجمات ستتم داخل تركيا أم لا، فعلى سبيل المثال، هناك محاولة بسيطة قد تم إنجازها على صعيد إعتقال بعض الإسلاميين الأتراك الذين كانوا يخططون لعبور الحدود للقتال في صفوف التمرد في العراق.
تعقب الإرهابيين داخل تركيا
تملك تركيا عدد قليل نسبيا من الكاميرات التلفزيونية ذات الدوائر المغلقة المستخدمة في المراقبة، وفي عام 2005، أطلقت الشرطة في إستانبول ما يعرف بالنظم الإلكترونية المتنقلة المتكاملة وهي شبكة من كاميرات المراقبة للرصد المستمر للمواقع الإستراتيجية المدينة. ولكن ومع حلول نهاية العام 2007، لا تزال هذه الشبكة تضم فقط 1350 كاميرا، وهناك مخططات لتطبيق نظم مماثلة في مدن أخرى، بما في ذلك تثبيت 1000 كاميرا للتصوير في أنقرة، ولكن ذلك قد تاخر بسبب النقص في الأموال (راديو وتلفزيون تركيا، في22 كانون الثاني / يناير).
ويُعتقد أن كل من أجهزة الإستخبارات التركية لديها ملفاتها الأمنية الخاصة بها، وفي إطار النظام المعروف بإسم " جمع المعلومات العامة " فإن ضباط تنفيذ القانون يستطيعون الدخول على قاعدة البيانات الأساسية الموجودة في أجهزة الحاسوب لدى ملفات الشرطة الوطنية التركية والدرك، مثل هويات المجرمين المطلوبين والمشتبهين بالإرهاب، وفي أواخر 2007 تم تقديم معلومات أكثر تفصيلا، بما في ذلك الصور، والبصمات، وحتى البيانات التي أدلى بها المشتبه بتورطهم بالإرهاب التي أخذت منهم أثناء عملية استجوابهم ثم أطلق سراحهم ( شرطة هابر، في 30 تموز / يوليو، 2007).
بيد أن مصداقية الكثير من المعلومات الإستخبارية التي تم جمعها أثناء عمليات الاستجواب من المشتبه بهم بالإرهاب هي مثار شك، فعلى الرغم أن التعذيب وسوء المعاملة الجسدية كانا يشكلان الروتين المتبع في عمليات التحقيق مع المشتبه بهم في الإرهاب، إلا أنه يمكن القول ان هذا النمط أصبح أقل شيوعا بصورة كبيرة عما كان عليه في السابق. ولكن لا زال من الطبيعي أن البيانات التي يتقدم بها المشتبه بهم تعتمد بصورة اكبر على الإقتراحات المقدمة من ضابط التحقيق بدل الاعترافات الصادرة عن المتهم نفسه.
التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب
تجدر الإشارة إلى أن غالبية المنظمات الإرهابية الناشطة في تركيا قد هاجمت أهداف أجنبية فى البلاد. ومنذ عام 2004، قام حزب العمال الكردستاني بإستهداف قطاع السياحة التركي، وذلك من خلال قتل وجرح عدد من السياح الأجانب. كما قامت المجموعات اليسارية بمهاجمة شركات غربية وممثلين عن الحكومة بالإضافة أيضا لمهاجمة مؤسسات الدولة التركية نفسها. وفي السنوات الخمس الماضية، كانت هناك مخططات لتنفيذ ما يزيد عن إثنتي عشرة هجمة من قبل الإسلاميين الأتراك والتي أحبطت الدولة معظمها، إلا أن تلك الهجمات لم تكن معدة لمهاجمة تركيا نفسها، ولكنها كانت موجهة لضرب المصالح الأجنبية في البلاد، والتي تتمثل بالشركات والمؤسسات الأجنبية، والأفراد المرتبطين مع الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة أو الطائفة اليهودية الصغيرة. وبالاضافة الى ذلك، كثيرا ما كان الإسلاميون الأجانب يعبرون تركيا للإنخراط في أعمال العنف في أماكن اخرى. ونتيجة لذلك، يبدو أن هناك مجالا كبيرا أمام التعاون الدولي وتبادل المعلومات الإستخبارية، والذي أثبت على صعيد الممارسة العملية أنه قضية إشكالية.
وكما يحدث في حالات مماثلة في بلدان أخرى، فإن أحد أسباب هذه الصعوبة هو ببساطة الإعتزاز القومي. وفي الحاله التركية، فإن عدم الرغبة في تقاسم المعلومات الحساسة مع الأجانب يعززها التصور بأن الأوروبيين والأميركيين على وجه الخصوص هم المذنبون لسياسة إزدواجية المعايير التي يتبعونها، ولا سيما في ضوء ما يبدو من عدم رغبة بعض الحكومات الأوروبية في كبح جماح أنشطة بعض المنظمات مثل حزب العمال الكردستاني، وجبهة حزب التحرر الشعبي الثوري، ورفض واشنطن ـ الذي تراخى قليلا في تشرين الثاني / نوفمبر 2007 ـ والسماح لتركيا بالقيام بعمليات عسكرية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني الرئيسية في شمال العراق.
وحتى تقتنع تركيا بأن الغرب ملتزم حقا بالقضاء على المنظمات مثل حزب العمال الكردستاني، فلعله من غير الواقع أن نتوقع المزيد، سواء على صعيد استعدادها للتعاون وتبادل المعلومات الإستخبارية او تقديم التعديلات التشريعية التي من شأنها ان تجعل من السهولة بمكان على السلطات التركية إتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المسلحين الذين لا يشاركون بنشاطات إرهابية داخل تركيا.
*المصدر مؤسسة جيمس تاون The Jamestown Foundation