A+ A-
اسرائيل وتشاد استئناف للعلاقات بعد ثلاثة عقود من القطيعة السياسية
2005-04-09

اعداد مركز القدس

بعد أكثر من ثلاثين عاماً على العلاقات الدبلوماسية المقطوعة ما بين تشاد واسرائيل أشارت تقارير صحفية مؤخراً الى ان اسرائيل تجرى اتصالات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية تشاد الافريقية وان تشاد من جانبها اعربت خلال هذه الاتصالات عن رغبتها فى استئناف العلاقات مع اسرائيل الا ان الامر قد تأجل بسبب الظروف السياسية فى المنطقة ولأن تشاد لاتزال مترددة في الإقدام على هذه الخطوة بسبب الوضع الحساس وتخوفها من تداعيات ذلك على علاقاتها مع جارتيها، ليبيا والسودان.

وحسب تلك التقارير فإن طاقما دبلوماسيا من وزارة الخارجية الاسرائيلية كان قد اجرى اتصالات مع المسؤولين التشاديين مؤخراً، ومن المحتمل ان يقوم وزيرالخارجية سلفان شالوم بزيارة نجامينا عاصمة تشاد قريبا لبحث الاتصالات الخاصة باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والمقطوعة منذ اكثر من ثلاثين عاما حيث قامت تشاد بقطع علاقاتها مع اسرائيل بعد حرب تشرين الاول 1973 على غرار ثماني دول افريقية اخرى هي " اوغندا ، ومالي ، والنيجر ، والكونغو برازافيل ، وبوروندي ، وزائير ، وتوجو " تضامناً مع مصر، غير ان بعض هذه الدول الافريقية استأنف بعد ذلك العلاقات مع الدولة العبرية.

الا ان ادراك تلك الدول بأن " إسرائيل" دولة صغيرة محدودة الموارد محاطة بأعداء من كل جانب ، قد تغير بعد احتلال اسرائيل للاراضي العربية أثناء حرب 1967 وكذلك الحروب التي تلتها سيما حرب 1973 والذي شكل مفصلاً تاريخيا بقطع تلك الدول لعلاقاتها مع اسرائيل وكانت التشاد واحدة من تلك الدول الا انها عادت لتعلن عن رغبتها باسئناف هذه العلاقات مرة أخرة بعد انقطاع زاد عن الثلاثة قرون مبررة ذلك بسبب ما حدث مؤخرا من تقليل لأعمال العنف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

ويشار الى ان افريقيا احتلت في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم موقعاً مركزياً بالنسبة للدبلوماسية الاسرائيلية لأسباب منها الحصار الديبلوماسي الذي فرض على اسرائيل في دول العالم الثالث مدعومة من العالمين الاسلامي والشيوعي. وبالتالي فإن اهتمام اسرائيل بالقارة الافريقية قد ترجم في صيغة علاقات طالت مختلف المجالات الاقتصادية والتي أتاحت لاسرائيل فرصة التغلغل في شرق افريقيا تحت شعارات "المساعدة الفنية في مجالات عدة".

وما يلحظه المتابع هنا أن ثمة تعاطف كان يربط الدول الافريقية مع القضايا العربية سيما اذا ارتبط الامر بالصراع العربي الاسرائيلي فقد أحدثت حروب الشرق الأوسط بين العرب و إسرائيل مزيداً من التعقيدات في مركب العلاقات الإسرائيلية الافريقية لصالح القضايا العربية.ولكن بسبب اقتصاد اسرائيل المتطور وعلاقاتها المميزة مع أميركا واستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين وكذلك مع بعض الدول العربية والافريقية كل تلك العوامل جعلت اسرائيل تتحول من دولة تلاحق الدول الافريقية إلى دولة ملاحقة منها ومرغوبة من طرفها. ويرى مراقبون بأن إقامة دول مثل الهند والصين علاقات مع اسرائيل بحيث انخفض وزن افريقيا في الديبلوماسية الاسرائيلية عن السابق وبالتالي فإن تشاد ـ ذات المساحة الصحراوية والأغلبية الاسلامية ـ ليست هدفاً هاماً بحد ذاته للسياسة الخارجية الاسرائيلية اذا ما قورنت مع دول افريقية أخرى.

وتجدر الإشارة هنا الى أن " إسرائيل " تمتلك مصداقية كبيرة لدى الدول الافريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية . فقد ركزت " إسرائيل " في تفاعلاتها الافريقية منذ البداية، وحتى في ظل سنوات القطيعة الدبلوماسية بينها وبين افريقيا ، خلال الفترة من 1973 - 1983، على المساعدات العسكرية لعدد من الدول الافريقية وبديهي أن الدول الافريقية التي تعاني من الصراعات والانقسامات الاجتماعية والانشقاقات داخل صفوف النخب السياسية الحاكمة تهتم اهتماماً بالغاً بقضايا المساعدات الأمنية والاستخبارية ، وهو ما دأبت السياسة الخارجية "الإسرائيلية" في افريقيا على التركيز عليه في جميع مراحل علاقاتها الافريقية منذ أعوام الستينات،والتي اشتملت منذ البداية على ثلاثة مجالات أساسية هي : نقل المهارات التقنية وغيرها من خلال برامج تدريبية معينة ، وتزويد الدول الافريقية بخبراء " إسرائيليين " لمدة قصيرة أو طويلة المدى ، وإنشاء شركات مشتركة أو على الأقل نقل الخبراء والمهارات الإدارية للشركات الافريقية. ووفق أنباء تناقلتها وسائل الإعلام الغربية، قدمت إسرائيل في السابق مساعدات عسكرية للحكومة التشادية ودربت أفرادًا من قواتها الأمنية ،وفي هذا السياق فإن ثلاثة أطباء إسرائيليين زاروا تشاد مؤخراً وبشكل سري وقدموا مساعدة للاجئين فروا من إقليم دارفور السوداني.

ولأن هناك من يقلل من أهمية اسئناف اسرائيل لعلاقات دبلوماسية مع تشاد الا انه بالمقابل من من يلحظ أهمية لاستئناف العلاقات معها، لأنه إذا تحقق هذا الأمر فإن تشاد ستنضم إلى موريتانيا الموجودة هي أيضاً في منطقة الصحراء وتقيم علاقات ديبلوماسية جيّدة مع اسرائيل.وأن توجهات تشاد قد تظهر لاحقاً كاتجاه مؤثر في عدة دوائر. عزم التشاد على اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل يدلل أولاً على أن جارتها، ليبيا ذات التأثير الواسع عليها (حيث صعد ادريس ديبي نفسه إلى الحكم في عام 1991 بدعم ليبي) لا تعارض العلاقة مع اسرائيل.

ويراهن صناع القرار السياسي الاسرائيلي الخارجي بأن استئناف اسرائيل للعلاقات الدبلوماسية مع تشاد قد تبعث رسالة لدول افريقية أخرى وخصوصاً دول المغرب العربي التي تستطيع استغلال الخطوة للسير في أعقاب "نجامينا"، ومن خارج افريقيا أيضاً قد تبدي بعض الدول الهامة رغبة في استئناف العلاقات في وقت تبذل فيه الخارجية الاسرائيلية جهوداً كبيرة لإقناع دول اسلامية مثل الباكستان وأفغانستان وأندونيسيا وماليزيا بإقامة العلاقات مع اسرائيل وهذا ما تم ملاحظته في الاشهر القليلية الماضية.

وعلى مايبدو فإن تشاد جادة هذه المرة في استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل، وان ثمة اتصالات سرية بطيئة جرت منذ سنة عندما قال رئيس تشاد، ادريس ديبي، في لقاء مع رجال أعمال اسرائيليين وأجانب أن بلاده لا تعارض استئناف العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل ،ومؤخراً تفيد التقارير الصحفية بأن الدولتين "تشاد واسرائيل" قد توصلتا إلى انطلاقة جديدة على هذا الطريق .

ويشار الى ان أن مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية الأسبق ديفيد كيمحي، هو الذي شغل منصب نائب رئيس الموساد في السابق ، وقد لعب قناة التواصل بين إسرائيل و تشاد لإعادة العلاقات بين الدولتين.

وحسب مصادر صحفية عبرية فإن "كيمحي" ، الذي يعمل الآن ممثلاً لشركة الاتصالات الخليوية الاسكندنافية ، و التي ترغب بالعمل داخل تشاد، له الدور الأكبر في هذه الصفقة التي ترمي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويشار الى أن عدداً من الخبراء العسكريين الإسرائيليين، قدموا مشورات للرئيس التشادي السابق "حسن أبرا" ، إبان الحرب الأهلية في تشاد خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي. وكذلك فإن عددا من رجال الاعمال الاسرائليين لهم أعمال تجارية في تشاد منذ فترة طويلة، في الوقت الذي يعقد فيه "ديفيد كيمحي" لقاءات على أعلى المستويات في تشاد

وهذا ما يشير الى أن مسيرة الصراع العربي الاسرائيلي وإن كانت تمثل مقياسا للعلاقات السياسية الاسرائيلية الافريقية بمعنى استمرار تلك العلاقات أو انقطاعها تقدمها أو جمودها ؛ الا أن الجانب الاقتصادي لم يتأثر من هذه العلاقة حتى وإن تأثرت العلاقات الدبلوماسية كما هو واضح في العلاقة الاسرائيلية التشادية والتي على مايبدو ستستأنف في الايام القادمة ....فالسياسة تتبع الاقتصاد.