A+ A-
الأردن: انتخابات بلا مفاجآت
2007-10-17

في العشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، سيتوجه الناخبون الأردنيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في مجلس النواب الخامس عشر. ويتشكل المجلس من (110) مقاعد موزعة على (45) دائرة انتخابية، من بينها (6) مقاعد مخصصة للكوتا النسائية التي عمل بها لأول مرة في انتخابات 2003، فضلا عن (9) مقاعد للدوائر المغلقة لبدو الشمال والجنوب والوسط، و(9) مقاعد للمسيحيين و(3) مقاعد للأقلية الشركسية والشيشانية. ويجري تنظيم هذه الانتخابات وفقا للقانون الانتخابي السابق الذي يعتمد مبدأ الصوت الواحد للناخب الواحد، وهو القانون الذي يواجه بانتقادات واسعة من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني في الأردن، بوصفه قانونا يحول دون تنمية الحياة السياسية والحزبية في البلاد، ويغذي الروابط القبلية والعشائرية التقليدية على حساب الروابط المدنية الحديثة، وقد أفضى العمل بهذا القانون منذ انتخابات العام 1993 إلى تشكيل مجالس نيابية غلب عليها الطابع التقليدي والمحافظ.

منذ أكثر من عشر سنوات، تطالب الأحزاب السياسية والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني، بإقرار قانون جديد للانتخابات، يتضمن عددا من التعديلات الجوهرية على القوانين الانتخابية التي جرى العمل بها منذ العام 1993، ومن أبرز هذه التعديلات المقترحة:
(1) اعتماد نظام انتخابي مختلط (صوتين للناخب الواحد) الأول لمرشح الدائرة الانتخابية والثاني للقوائم الحزبية (النسبية). (2) اعتماد معايير أكثر عدالة في توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، حيث يلاحظ التباين الكبير في الوزن التمثيلي للمقعد النيابي بين دائرة وأخرى وبصورة تبلغ سبعة أضعاف في بعض الأحيان.
(3) تشكيل مفوضية مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية في مختلف مراحلها عوضا عن وزارة الداخلية المناط بها وحدها هذا الدور.
(4) السماح بمراقبة الانتخابات من قبل مراقبين محليين وأجانب للتأكد من نزاهة العملية الانتخابية وحياديتها.
(5) إحالة ملف الطعون في نتائج الانتخابات إلى السلطة القضائية عوضا عن البرلمان نفسه الذي لم يسجل في تاريخه إقراراً لأي من الطعون المقدمة إليه.
(6) تسهيل الجوانب الإجرائية في العملية الانتخابية وضمان منع التصويت المكرر أو "تصويت الأموات".
(7) وقف عمليات نقل قيود الناخبين من دائرة إلى أخرى والحد من عمليات شراء الأصوات وتفشي ظاهرة "المال السياسي" في الانتخابات.

و قد أطلقت حكومات متعاقبة، وعودا بإصدار قانون انتخابي جديد، لكن الرأي العام الأردني فوجئ بأن الحكومة قررت إجراء الانتخابات المقبلة من دون أي تعديل على القانون المعمول به، وأبقت عليه كما هو حتى بالنسبة لمواده المتعلقة بحجم المقاعد الإضافية المخصصة للنساء "الكوتا النسائية" وطريقة احتسابها، وهي المواد التي أثارت جدلا واستياء واسعين في الانتخابات السابقة، بالنظر لقلة عدد المقاعد المخصصة للنساء من جهة وطريقة احتسابها التي حرمت المرشحات في المدن الكبرى من فرص الفوز بمقاعد في المجلس النيابي من جهة ثانية.

قررت مختلف الأحزاب السياسية الأردنية المسجلة والبالغ عددها (34) حزبا (بالإضافة إلى 3 أحزاب قيد التأسيس) المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، وتشهد الساحة السياسية والحزبية هذه الأيام حراكاً نشطاً على صعيد بناء الائتلاف وصياغة البرامج وتصميم الحملات الانتخابية، وبخلاف بقية الأحزاب السياسية، جاء قرار حزب جبهة العمل الإسلامي و"جماعة الإخوان المسلمين"، بالمشاركة في الانتخابات، بعد مخاض عسير وحوار ساخن في صفوفهما، بسبب ما تصفه قيادتي الحزب والجماعة بأنه حملة استهداف منظمة تشنها الحكومة ضدهما وتعبر عن نفسها بالاعتقالات والحملات الإعلامية والتضييق على قادتها وكوادرها ووضع اليد على مؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وبسبب ما شهدته الانتخابات البلدية في تموز / يوليو من عمليات تزوير وتدخل حكومي على حد وصف وتعبير قادة الحركة الإسلامية الأردنية. ووفقا لمصادر عدة، فقد جاء قرار الحركة الإسلامية بالمشاركة في الانتخابات كنتيجة للتطمينات التي جرى تبادلها بين رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت وقادة "تياري الوسط والحمائم" في الحزب والجماعة في الاجتماع الذي عقد في منزل الأول في التاسع عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث طمأن الرئيس الحركة إلى التزامه بنزاهة الانتخابات وشفافيتها، وطمأن قادة الحركة الحكومة إلى نيتهم "المشاركة لا المغالبة"، ورغبتهم في استبعاد عناصر التوتير ورموز التشدد من قوائمهم الانتخابية. وقد لوحظ أن لائحة الحركة الإسلامية الأردنية للانتخابات المقبلة قد تضمنت اثنين وعشرين مرشحا فقط، أقل من الانتخابات السابقة (30 مرشحا) بثمانية مرشحين، وأن ليس من بينهم أحدا من المحسوبين على تيار الصقور أو ما يعرف أيضا بـ"الخط الحمساوي" داخل الحزب والجماعة.

ويتوقع أن يحافظ التيار الإسلامي على نسبة تمثيله في البرلمان القادم، وبصورة لا تصل بحال من الأحوال حاجز الـ (20 %) من إجمالي مقاعد المجلس، تماما كما كان عليه الحال في المجلس الرابع عشر (16%)، أما بقية الأحزاب السياسية، فليس من المنتظر أن تحظى بتمثيل برلماني، باستثناء بعض أحزاب الوسط التي تسعى عادة لتشكيل كتل برلمانية من نواب فازوا بمقاعدهم النيابية بصفتهم الشخصية والعشائرية، وليس بصفتهم الحزبية، تماما كما حدث مع الحزب الوطني الدستوري وحزب الوسط الإسلامي.

وبصفة عامة، يمكن القول أن الأردن سيشهد في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل انتخابات بلا مفاجآت، والأرجح أن البرلمان القادم سيكون صورة قريبة جدا من البرلمان الرابع عشر، الأمر الذي حدا بأحد المعلقين السياسيين للقول بأن الانتخابات القادمة ستنتهي إلى "التجديد للبرلمان الرابع عشر" حتى وإن اختلفت بعض الوجوه والأسماء.

-المقال منشور في نشرة الاصلاح العربي، تصدر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي - أكتوبر/تشرين الأوّل 2007، المجلد 5، العدد 8