A+ A-
إسرائيل... والموت القادم من الشرق
2006-01-05
باتت إسرائيل تنتظر وترقب بحذر شارة بدء المعركة مع القاعدة حيث بدأت المؤشرات تتسارع باتجاه اقتراب موعد وصول طلائع جيش "الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبين" والمتمثل بتنظيم القاعدة فرع بلاد الرافدين، وتأتي عمليات القاعدة ضد إسرائيل مندرجة وفق المخطط العملي الذي تسير عليه القاعدة والجبهة العالمية التي إنشاءها بن لادن والتي قدمت قتال اليهود على قتال الصليبيين حتى في اسمها، ومع هذا فلم تنفذ عمليات كبيرة داخل إسرائيل حتى الآن؛ إلا ان بشائر هذه العمليات بدأت تتجلى خلال العام الماضي فبعد ان كانت القاعدة تستهدف اليهود ومنشآتهم ومعابدهم في مختلف دول العالم باتت الآن تطرق ابواب الدولة العبرية نفسها

اول هذه العمليات كان سقوط صاروخ كاتيوشا على ميناء ايلات الإسرائيلي من مدينة العقبة في آب العام الماضي والذي لم يؤد الى وقوع اضرار جسيمة الا انه اوصل رسالة مفادها ان القاعدة باتت على الابواب ، هذه الرسالة حملت القيادات الإسرائيلية على التفكير جدياً بخطر القاعدة فطرحت بعض الدوائر الإسرائيلية فكرة نقل مطار ايلات من موقعه الحالي والذي يبعد كيلومتر واحد عن ميناء العقبة الاردني الى موقع آخر يكون اكثر أمناً لتفادي هجمات محتملة من اعضاء القاعدة المتواجدين في الاردن او الذين قد يتسللون اليها خاصة وان الاخيرة تلقت هجمات قاسية من التنظيم خلال السنة الماضية.

وفي حين لم يكف تنظيم القاعدة عن اطلاق تهديداته لإسرائيل عبر الاشرطة المصورة ومواقع الانترنت عادت القاعدة لضرب إسرائيل لكن هذه المرة من جهة الشمال من لبنان حيث تم اطلاق صواريخ مجهولة الهوية استهدفت مستوطنات يهودية في شمال إسرائيل، العملية لم يتبناه حزب الله كما لم تستطع إسرائيل تحديد الجهة التي نفذتها، وفي حين اتهمت جهات لبنانية سورية بتنفيذ العملية استمر الغموض الى ان اعلن تنظيم القاعدة مسؤليته عن العملية حيث اعلن التنظيم فرع العراق مسؤوليته عن عملية اطلاق عشرة صواريخ من نوع جراد على "أهداف منتخبة شمال دولة إسرائيل انطلاقا من دولة الاسلام في لبنان"، كما اكد البيان انسحاب المنفذين بسلام حيث تأخر اعلان التنظيم عن تبنيه للعملية لضمان انسحاب المنفذين القادمين من العراق كما يشير البيان، وفي ذات البيان اكد التنظيم ان هذه الغزوة المباركة تأتي: - إبرارا من المجاهدين بقسم الشيخ المجاهد أسامة بن لادن أمير تنظيم القاعدة حفظه الله، والتي لم يستوعبها أحفاد القردة والخنازير وعبدة الطاغوت وأذنابهم في بلاد المسلمين. والقادم أمرّ من ذلك وأنكى بإذن الله-

هذا التهديد والوعيد المستمر من القاعدة بدأ أخيرا يقض مضاجع الإسرائيليين حيث ان وجود القاعدة في الجوار، وسهولة تسللها الى الحدود الشرقية والشمالية لإسرائيل امر في غاية الخطورة حيث لا تملك إسرائيل العمق الجغرافي الكافي لحماية مواطنيها من هجمات محتملة عبر الحدود، الا ان هذا ليس الهاجس الابرز لدى إسرائيل حيث يبدو الرعب الاكبر متمثلا في إنشاء فرع للقاعدة داخل الاراضي الفلسطينية في الضفة او القطاع. ففي حين يمكن السيطرة على الحدود وتقاسم هذه المسؤولية مع دول الجوار الا ان وجود القاعدة في العمق الإسرائيلي هو امر يصعب التنبؤ بمدى خطورته حيث ان إسرائيل لم تستطع حتى الان ورغم اقامتها للجدار الفاصل منع العمليات المستمرة ضدها من قبل الفصائل الفلسطينية المسلحة رغم ضآلة امكانية هذه الفصائل بالمقارنة مع القاعدة التي تملك المال والإمكانيات الكافية لدعم عمليات كبرى داخل الاراضي الإسرائيلية في حال انطلقت شرارة العمل.

هذا الخوف بدأ يترجم داخل إسرائيل عن طريق تقارير تظهر بين الحين والاخر تنبئ ببدء إنشاء خلايا للقاعدة في غزة على وجه الخصوص وقد ازدادت كثافة هذه التقارير مع اقتراب موعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، معظم هذه التقارير كانت تصدر عن جهات يمينية متطرفة داخل إسرائيل اذ تسعى هذه الجهات الى ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد؛ اولاً ربط الفصائل الفلسطينية المسلحة بحركة الارهاب العالمية, والعمل على تأجيل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والتفرغ لمقاومة خطر القاعدة. من اشهر تلك التقارير التقرير الذي نشر على موقع الكتروني إسرائيلي يسمى" ملف ديبكا" وهو موقع مختص بنشر تقارير واخبار مختلفة عن المنطقة بأسرها وقد جاء في التقرير "ان تنظيم القاعدة انشأ فرعا له في غزة وقام ببدء حملة اعلانية تبشر بقرب بدء عمليات التنظيم في القطاع وتوجيهها ضد اهداف داخل إسرائيل وذلك في 30-7-2005" كما نشر الموقع شريطا يتحدث فيه شباب زعم انهم ينتمون لتنظيم القاعدة في غزة عن قيام التنظيم بقصف المستوطنات اليهودية في منطقتي 'نافية دكاليم' و'جاني طال، وقد ذكر التقرير المفصل عدة اسماء وتفاصيل اثارت الكثير من التساؤلات والتخوفات حول حقيقتها؛ لكن ما لبثت السلطات الرسمية ان قامت بتفنيدها والتأكيد على ضعف مصداقيتها وعدم وجود ادلة عليها .

ومنذ احداث 11/ سبتمبر تحاول إسرائيل ربط القاعدة بالمقاومة الفلسطينية بمختلف الطرق كإثارة مزاعم بتلقي هذه التنظيمات دعم مالي من القاعدة ، او وجود علاقة تنظيمية بينها وبين قيادات القاعدة في الخارج او حتى محاولة انشاء شبكات وهمية تعمل باسم القاعدة؛ ففي العام 2002 كشفت اجهزة المخابرات الفلسطينية عن خلية حاولت المخابرات الإسرائيلية تشكيلها في غزة من نشطاء فلسطينيين للعمل تحت مسمى "قاعدة الجهاد في فلسطين" الامر الذي اثار زوبعة سياسية واعلامية حينها.

وفي الآونة الاخيرة جاء آخر التقارير الإسرائيلية لينقل الاتهامات من غزة الى الضفة الغربية حيث نقل التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر وصفها بانها رفيعة المستوي في الاجهزة الامنية الإسرائيلية، ان تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن، تمكن من اقامة خلايا عديدة في الضفة الغربية المحتلة، وان هذه الخلايا تنتظر ساعة الصفر للبدء في تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة ضد اهداف إسرائيلية ، وتابع قائلا "ان تنظيم القاعدة يقوم منذ عدة اشهر بتحويل مبالغ طائلة من الاموال الي النشطاء في مناطق الضفة الغربية لاقتناء الاسلحة المتطورة والاستعداد لتنفيذ العمليات التي تقض مضاجع الاجهزة الامنية الإسرائيلية".

وجاء هذا التقرير على خلفية اطلاق صاروخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الاخضر، الا ان الصاروخ لم يسبب اضرارا في الممتلكات ولم تقع اصابات في الارواح، وقد اتهمت الاجهزة الامنية الإسرائيلية مجموعات تابعة للقاعدة في مدينة جنين بتنفيذ هذه العملية، حيث يعتقد ان تشكيل هذه المجموعات يتم من خلال جذب الشباب الفلسطيني للمشاركة في هذا التنظيم على عكس ما يحدث في غزة حيث يعتقد ان اعضاء القاعدة يتسللون اليها من الخارج لتنفيذ عملياتهم وتشكيل خلايا نائمة تنتظر شارة بدء العمليات .

وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز أكد ان الحكومة تقوم بكل الاجراءات الاستخباراتية من اجل ملاحقة القاعدة ومنع الارهاب من طرفها ولكنه لم يوضح ان كان يقصد القاعدة في فلسطين او التنظيم العالمي حيث كان يتحدث في سياق جولته في المنطقة التي اصابتها الصواريخ الي اطلقت من الجنوب اللبناني.

من جهته، لم يعلن تنظيم القاعدة اي مسؤولية عن عمليات من داخل فلسطين كما لم يعلن عن إنشاء فرع له في فلسطين رغم ان قادة التنظيم وخاصة ابو مصعب الزرقاوي في العراق توعد دولة اليهود بان المعركة اقتربت, ورغم التهليل والسعادة التي قابل بها انصار التنظيم العملية التي استهدفت شمال إسرائيل على اعتبارها بداية للنصر ولهزيمة دولة الكفر، الامر الذي بدا جلياً من خلال متابعة المنتديات الجهادية التي تنشر اخبار القاعدة.

وعلى الصعيد الفلسطيني تنفي الفصائل الفلسطينية الاسلامية اي صلة لها بتنظيم القاعدة من قريب او بعيد ، ويرى البعض ان عدم تنفيذ عمليات للقاعدة داخل إسرائيل هو امر غريب كون الكيان الإسرائيلي يشكل العدو الاول لقادة القاعدة حسب ادبياتهم، محللون فلسطينيون اكدوا صعوبة تغلل تنظيم القاعدة في النسيج الفلسطيني وذلك لوجود الفصائل الاسلامية المسلحة كحماس والجهاد الاسلامي والتي تملأ الفراغ الذي يمكن للقاعدة استغلاله للتغلغل الى الداخل الفلسطيني، كما ان التجربة النضالية الفلسطينية اكبر وأغنى من ان تحتاج الى افكار وخبرات القاعدة في تعاملها مع الاحتلال الإسرائيلي.

ولعل هذا الامر هو ما دفع القاعدة ايضاً للبقاء بعيدة عن الساحة الفلسطينية طيلة هذا الوقت، مراقبون فلسطينيون اكدوا عدم وجود اي تنظيم تابع للقاعدة في الشارع الفلسطيني لغاية الآن، وأشاروا الى عدم وجود بوادر لتشكيل مثل هذا التنظيم في الاراضي الفلسطينية حيث ان الشارع منشغل تماماً في هذه المرحلة بالانتخابات الفلسطينية القادمة وبالمعارك المحتدمة بين التنظيمات الفلسطينية المختلفة من جهة وبين اجهزة السلطة وأقطابها المختلفة من جهة اخرى، وكل ما هنالك وجود شريحة من المجتمع متعاطفة مع القاعدة باعتبارها تمثل المقاومة في العراق، وواجهة الدفاع الوحيدة ضد الولايات المتحدة وتغولها في العالم.

ومن الملاحظ ان التقرير الإسرائيلي الاخير والذي نسب الى مصادر امنية إسرائيلية مطلعة ؛ وتحدث عن عمليات تحويل اموال من الخارج لصالح هذه الجماعات وعن قيامها بالعمل على تطوير صاروخ القسام لم يحظ باهنمام كبير كما لم يثر اي ردود فعل كبيرو حول الموضوع سواء على الصعيد المحلي او العالمي ، وقد يعود ذلك لكثرة نشر مثل هذه التقارير من قبل إسرائيل دون وجود دلائل او احداث تثبت الامر ما يجعل هذه التقارير موضع شك من قبل المجتمع الدولي.

ومع هذا كله فإن إنشاء فرع لتنظيم القاعدة داخل الاراضي الفلسطينية او قيامه بتمويل احد التنظيمات لتنفيذ عمليات لصالح القاعدة يبدو امراً معقولاً وممكناً في الوقت الحالي خاصة في ظل حالة الانفلات وفوضى السلاح التي تعيشها الاراضي الفلسطينية، كما ان رجال القاعدة استطاعوا في اكثر من مرة الدخول الى إسرائيل ومغادرتها دون اثارة الشكوك وقد يكون بعضهم موجود هناك الآن، فرغم الاحتياطات الامنية الإسرائيلية الا ان اجهزة الامن الإسرائيلية قد لا تستطيع التمييز بين السياح العاديين واعضاء القاعدة فعلى سبيل المثال تشير الاحصائيات الى دخول 45 سعوديا الى إسرائيل العام الماضي، الامر الذي يوقع إسرائيل بين فكي الكماشة فهي لا تستطيع رفض زوارها الذين يعبرون عن رغبتهم في التطبيع والسلام، كما لا تستطيع التأكد من سلامة نواياهم في ظل المظهر الجديد لاعضاء القاعدة الذين لا يمكن تمييزهم من اشكالهم او من تصرفاتهم، وهذا الامر قد يجعل القاعدة تفاجئ إسرائيل بتشكيل خلاياها داخل إسرائيل نفسها وبعيداً عن الضفة والقطاع، حيث ان ادبيات القاعدة تشير الى انه سيتم تدريب مجموعات من الشباب في معسكرات العراق لارسالهم لتنفيذ مهمات ضد الحكومات العربية و إسرائيل.

في الامد القريب يبدو ان القاعدة لا زالت تحافظ على نشاطها من خارج الحدود لكن لا أحد يعلم متى ستقرر القاعدة العمل من الداخل وعندها قد لا تكون دولة بحجم إسرائيل قادرة على تحمل الكثير من ضربات القاعدة، وعلى هذا فالاحتمالات امام إسرائيل مفتوحة وعليها ان تراقب بحذر عدوها القادم من الشرق.
 
- باحثة في مركز القدس للدراسات السياسية