A+ A-
الخلع في الاردن ماله وعليه...
2003-04-22

يعد تعديل قانون الأحوال الشخصية الأردني خطوة وثّابة لرفع سويّة واقع المرأة الأردنية, ولعل أبرز ما لمع في هذا القانون اعطاء المرأة الحق في إنهاء العلاقة الزوجية وهو ما أطلق عليه قانون (الخلع).

وتزامن مع إقرار هذا القانون انطلاق موجة من الأصوات المعارضة و المؤيدة له ,وهي آراء منها ما تتكئ على أيدلوجيات شرعية دينية , ومنها ما يرى أن مستجدات الحياة تحضّ على إقراره ولا مناص من الاستغناء عنها.

فهل كان الوضع النسائي الأردني يستدعي الإقدام على هذه الخطوة؟ أم أنها جاءت تلبية لبواعث المرحلة والتي ترى في النهوض بحقوق المرأة علامة مشرفة في جبين الدول الساعية وراء مناصرتها والتسليم بحقوقها؟ ؟ أم هي حجة وحاجة تُنْبِئ عن الدخول في سبق التطور واللحاق بركب الحضارة؟

لا يخفى على أحد ما أثير من ضجة إعلامية في الأوساط الدينية والاجتماعية على حد سواء جرّاء إقرار قانون الاحوال الشخصية الذي سلّط الضوء على آراء متباينة في جملتها ويمكن القول أن أكثر تلك الآراء انبجست في عمومها عن رفض استقطاب المزيد من الحقوق الكفيلة بانصاف المرأة واسترداد ما اضاعته من حقوق في مسيرتها، واللافت للنظر ان اكثر تلك الاراء جاءت في كثير من الاحيان مقنّعة بلثام الحرص على مصداقية تطبيق القانون المتمثل بالدستور الاردني، بما يتضمنه ذلك من ضرورة عدم انتهاك صلاحيات السلطة التشريعية باصدار القوانين بغيابها، ومن جهة اخرى جاء اصدار عدد من التشريعات بموجب القوانين المؤقتة ليزيد الجدل ويحث غلى الوقوف عند هذه القضية واعادة النظر في التعديلات الحاصلة .

وما ينطبق على قانون الأحوال الشخصية ينسحب على ما يقع تحت لوائه, فقد اسْتُهدفت المادة المتعلقة بالخُلْع كأمثالها من القوانين المعدّلة, ويرى رئيس لجنة الافتاء في جبهة العمل الإسلامي ووزير الأوقاف السابق (الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني) انّ استهداف هذه المادة انبثقت عن رفض إعطاء المرأة الحرية الكاملة في إلغاء الحياة الزوجية متى أرادت، ومما يزيد الخلع استهدافا هو ارتهان إنهاء هذه العلاقة بقيام المرأة برد المؤجل والمؤخر، ومتى استطاعت المرأة دفع ما استحق عليها، تمكنت من الانحلال من هذه العلاقة، ويرى الكيلاني أن في هذا شطط بيِّن يفضي إلى عواقب وخيمة, وعند سؤاله عن شرعية هذا القانون يرى ان تطبيق الخلع وهو امر أباحه الرسول محمد عليه السلام يجب ان يرتهن بالخِصة التربوية الأخلاقية والإسلامية للمجتمع، وبالتالي يجدر الالتفات إلى قضايا مفصلية ربما هي الأجدر للاعتناء باستنهاضهالانفاذ القوانين التي يتطلب توظيفها تفاعل عدد من العوامل المسبقة لتكون قوانين فعالة بحق، ويمكن القول ان هذا الاستهداف يتمخض في حقيقته عن اعتبارات كثيرة لا تتّصل بآلية إصدارها بقدر اتصالها بالخوف من تداعياتها الاجتماعية، وما إلى ذلك من سحب البساط من تحت قدمي الرجل, ومن جانبها ترى المحامية والناشطة في قضايا حقوق الإنسان أسمى خضر ان ردود الفعل الرافضة لهذا التعديل تنبثق في حقيقتها عن نوازع نفسية واجتماعية تضرب جذورها في أعماق المجتمع الأردني ذي النزعة المحافظة ذات السلطة الأبوية أو الذكورية التي تنادي بالإبقاء على كل خيوط العلاقات القانونية في إطار الأسرة بيد الرجل فحسب؛ فالتعديل الحاصل يحرر القضاء والنساء من اشتراط موافقة الزوج على إنهاء العلاقة الزوجية, ولا يخفى ما يراه الرجل في هذه الخطوة من انتهاك صارخ لحقه في امتلاكه أمور الحياة الزوجية بكل أبعادها .

هذا واعتبر العديد من الرافضين لهذا القانون, أنه فجوة حساسة سرعان ما تتفتق عنها آثار سلبية من شأنها ان تطيح بتماسك الاسرة, وتزيد من الاحصائيات الواردة في قائمة الأسر المنهارة ولا يخفى على احد ما يفضي اليه ذلك من إختلال في البناء الأسرويّ، وعن هذا الشأن يرى العضو في جماعة الاخوان المسلمين وفي جبهة العمل الاسلامي الدكتور محمد ابو فارس ان السبب في ذلك هو ان المرأة لِماماً ما تستطيع كبح جماح عواطفها, وبحكم طبيعتها كثيرا ما تخنع لمشاعرها دون تفكير حقيقي ومسؤول عن تداعيات قراراتها, فغالبا ما يفضي إعطاء المرأة حق كهذا الى إضعاف ركائز الاسرة وجعلها عرضة للاختراق وقابلة للاستباحة من وجوه عدة. ولعله من الأجدر ان يبقى حق القوامة بيد الرجل وهذا ما نص عليه الذكر الحكيم في قوله تعالى (الرجال قوّامون على النساء بما فضّل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم والله عزيز حكيم ), وترتكز القوامة هنا على دعامتين أساسيّتين إحداهما العقل وقدرة الرجل على السيطرة على مشاعره في أوجها, ويرى البعض ان اعطاء المرأة حق خُلع الرجل يعني اغتصاب هذا الحق من الرجل ويتجسد هذا الاغتصاب إذا ما عرفنا أن الخلع بمقتضى التشريعات الجديدة لا يشترط موافقة الزوج, واذا ما قال قائل أن الرسول عليه السلام في قصته المعروفة مع قيس ابن ثابت وزوجته التي خافت أن لا تقيم حدود الله قد أملى على قيس تطليق زوجته بعد أن ردت عليه حديقته(الصداق) وانّ في ذلك ايحاء بعدم رضا الزوج فيجيب أبو فارس عن هذا الامر ببساطة وهو عدم اعتراض ثابت على حكم الرسول أو إبداء عدم رغبته بهذا الحكم واستناداً على ذلك فرضا الزوج له اعتباره الشرعي وبالتالي فإقرار القانون على هذه الشاكلة يمثل تجاوزاً لِما ورد ذكره آنفا .

ويتابع الدكتور محمد أبو فارس وجهة نظره في عدم تواجد بواعث مقنعة للتعديلات الحاصلة على قانون الاحوال الشخصية بما في ذلك مادة الخلع، فلا حاجة اليه طالما أن هنالك حلول اخرى تغني عن اللجوء اليه, فلم يتبادر إلى الأسماع استغلاق المحاكم الشرعية عن البَتِّ في القضايا السابقة فقد كانت المرأة تلجأ للمحاكم وتقيم دعوى على زوجها لأسباب عدة ارتأى بها الشرع ضرورة التفريق بين الزوجين حتى دون موافقة الزوج كالشقاق بينهما, او عدم النفقة, او هجر الزوج وما إلى ذلك فلماذا كان إقرار هذا القانون دون حاجة مُلحّة اليه؟ وعليه وكنتيجة بديهية لكل ما سبق فللاطفال نصيب ليس بالقليل جرّاء ذلك, باعتبارهم دعامة لوجستية في الاسرة, ومعنى إقدام الزوجة على رفع قضية الخلع هو بقاء الاطفال مع احد الطرفين إن لم نقل –جدلا – بينهما، فمن حق الطفل أن يعيش في كنف والديه والقول بفضِّ العلاقة يعني بقاء الاطفال مع أحد الطرفين وهذا ما لا يراه الدكتور محمد أبو فارس جائزاً.

وترى اسمى خضر في هذا الشأن ان حضانة الطفل ورعايته لا تتصل بشكل مباشر بطبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة, فالاسرة تقف امام خيارين احلاهما مرٌّ, والقول بالإبقاء على علاقة زوجية لا تمثّل الحضن الراعي الكفيل بإنتاج افراد ذوو صحة نفسية سليمة يمثل ضربا من العبث، وتتبلور عبثية هذا الرأي عندما يتهم البعض المرأة بأنها الحلقة الأضعف في هذه المعادلة, وتتوجه إليها سهام الإتّهام بأنها الهادمة لبيت الزوجية من جهة, وانتهاك صارخ لحقوق الطفل وما سيؤول اليه من تمزق نفسي بين الاب والام من جهة اخرى, والسؤال الذي تطرحه خضر انطلاقا من المحورين السابقين هو: لماذا لا تتوجه هذه الاسهم الى الرجل عنما يلجأ الى الطلاق دون التفات الى ما في ذلك من ظلم وحَيْف يلحقه باطراف عديدة اهمها الاطفال ؟ واما السؤال الاخر: ألا يشكل بقاء الطفل في اسرة يمثل الانفصال فيها اخر سهم في الكنانة ضربا آخر من ضروب الجور والظلم ؟ فاثقال كاهل الطفل بالنزاعات الزوجية عامل جوهري في ضعضعة وضعه النفسي بشكل يفوق عواقب الإنفصال, ومعنى ذلك ان اقرار قانون الخلع كفيل بوزن المعادلة , واعادة السهم إلى منزعه -كما يقولون- في كثير من الحالات الاسرية التي يتعسف الزوج فيها في استخدام الطلاق من ناحية, واتاحة فرصة ربما تكون افضل للاطفال في انتهاج حياة لا يمارس فيها عنف نفسي -اذا صح التعبير-من ناحية اخرى , واما على الصعيد الشخصي فاستخدام المرأة لهذا القانون يضفي على شخصها الطابع الشرعي بقدرتها على تحمل المسؤولية والبرهنة على أنها والرجل سواء في تحمل عواقب القرارات أيّاً كان نوعها .

ويقودنا الحديث عما سبق ضرورة الحديث عن البواعث الموضوعية الداعية لاقرار هذا القانون، ويجدر الاشارة هنا ان قانون الخلع بداية لم يتمخض في حقيقته عن العولمة كما يدعي البعض وفي هذا تقول اسمى خضر (ينبغي علينا ان ننتهج العلمية في اصدارنا للأحكام وان لا نطلقها جزافا فقانون الخلع قانون اسلامي حتى النخاع وليس أدلّ على ذلك مما تعانيه بعض النساء ممن لا يدنّ بالاسلام دينا ولسنَ بعربيات من بعض الممارسات اللا اخلاقية كزوجات, فالمرأة في بعض الدول ترزح تحت وطأة القوانين المجحفة بحقها, ومعنى ذلك ان التعميم باصدار الاحكام على هذا النحو لا اساس له)، وفي تضاعيف ذلك لا بد من وجود بواعث ملحّة على الساحة الاجتماعية والاقتصادية ذات صلة وطيدة بالوضع النسائي في الاردن, فعلى الصعيد الاجتماعي يظهر ان حالات تعسف ليست بالقليلة كانت تمارَس على المرأة من قبل الزوج, وهي حالات تأخذ ابعاداً عدة ابسطها هجر الزوجة وتركها معلّقة, في حين يمارس الزوج حياته بشكل طبيعي, ولا يخفى على احد ما في ذلك من تنكيل بالزوجة وانتهاك لحرمة هذه العلاقة الإنسانية, وفي مقابل كل ذلك تسعى المرأة وكحق طبيعي لها الى المطالبة بالطلاق وهنا يلوح نوع اخر من الوان التعسف الذي كانت تشهده المرأة في المحاكم, فالإثبات على سوء العشرة الذي كانت تعانيه المرأة بيّنة لا بد ان تتواجد، وبدونها لا يحصل الطلاق, وفي تضاعيف ذلك نرى في كثير من الحالات ان شرطيّة هذه البيّنة قد تنفذ الى صُلب العلاقة الزوجية بكل تفاصيلها بل بأحرجها, وما يؤول ذلك إلى استباحية جارحة للاسرار الزوجية والتي من المفترض ان تبقى طي الكتمان .

وأما على الصعيد الإقتصادي فقد جاءت الاستقلالية الاقتصادية للمرأة توعز بقدرة الظروف المحيطة على استقبال هذا التعديل, والذي يمثل مطلباً بديهياً للتحولات التي آلت اليها البيئة الاردنية, فالعوائق المادية كانت بالنسبة لأغلب النساء تشكل الرادع الحقيقي_ إن لم يكن الأوحد _ للحيلولة دون التفكير برفع قضية الطلاق, أضف الى ذلك أن استهلاك الكثير من الوقت والمال في سبيل الانعتاق من العرى الزوجية كان يمثل هاجسا مرّا بالنسبة إلى فئة غير قليلة من النساء اللواتي يعانين من اضطهاد الزوج, فتوكيل محام, ودفع رسوم القضايا، وادارة القضية بصورة مرضية بما يكفل الوصول إلى النتيجة المطلوبة, أُمور كانت تمثل اشكاليات توقن المرأة أنه من الحريِّ بها الوقوف عندها طويلا قبل الاقدام عليها, وكل ذلك يهون أمام معرفة المرأة بصعوبة الرهان على كسب قضيتها آخر المطاف .

ويرى نفر من المناهضين لقانون الخلع انه لم يمثل نقلة نوعية بينه وبين الطلاق, وخاصة بما يتعلق بالناحية المادية, فالوضع في جوهره واحد وأما التغيير فقد اقتصر على الشكل وحسب, فإذا كانت المرأة ملزمة بدفع نفقات المحام ورسوم القضايا وما إلى ذلك قبل اقرار قانون الخلع, فإنها ملزمة بصورة ألحّ لرد ما أخذته من زوجها بعد الخلع, خاصة وأنّ إصدار الحكم في قانون الخلع يتوقف بشكل شبه كامل على استيفاء الزوج لنفقاته الشرعية من قبل الزوجة ويزيد هذا الأمر واقع المرأة عنتا , لا سيما إذا ما نظر المرء إلى قضايا الخلع برمتها لاحظ أن تفعيل القانون بدرجة واسعة جاء في أكثره من قبل النساء الثريّات, فالقانون بناء على ذلك _ كما يراه البعض _لم ينتظم كافة الطبقات في الخدمة والتفعيل وترى خضر ضرورة الحدّ من التعميمات في هذا المجال, فالوقائع تقف إزاء حقيقة مفادها أنّ المهور تنسجم عادة مع الوضع الاقتصادي للطبقات الاجتماعية على اختلاف مستوياتها, الاّ انه لا يمكن في أي حال من الأحوال تجاهل انّ هنالك عدد لا بأس به من النساء اللواتي يعجزن عن ردِّ المهر على قلّته، ومن هنا فالمجتمع يقف امام مشكلة انسانية صرفة تتمثّل بارتهان الإنسان ارتهانا مادياً، مما يوعز بضرورة استنهاض المؤسسات الاجتماعية لتأخذ دورها في مساعدة المرأة الفقيرة على الوصول إلى غايتها القانونية، كاقراضها ما استحق عليها من تبعات قضية الخلع، وان تسدده بدورها تدريجيا, ودون ذلك يعني تبلور مشكلات اجتماعية متزايدة تحدُّ من تفعيل حق من حقوق المرأة التي كفلها لها قانون الأحوال الشخصية, ووقوف المال حائلاً دون اتخاذ قرار ربما كان الأنجع للاسرة .

وكمجتمع ديناميكيّ حيويّ حيّ كان لا بد من الاستجابة على الصعيد الاجتماعي لتداعيات هذا القانون, والناظر إلى هذه التداعيات يرى أنها مثيرة للقلق نوعا ما، وفي هذا الشأن يرى أبو فارس أنه في خِضمّ هذه النقلة النوعية القانونية يتبلور مخزون ثقافي واتجاه فكري جديد عند عامة الشباب، يتمحور حول النظرة المستقبلية للزواج, وما يشوبها من حيطة وحذر, فهذه النظرة لم تراع في وجهتها الا الجانب المادي, والخوف من أن تُشرِع المرأة قانون الخلع سلاحاً في وجه الرجل كان الهاجس الاكثر رواجاً بين فئة الشباب, وترتبط هذه النظرة إلى حد بعيد بمفهوم الزواج المكتنز في عقول هذه الفئة, ونظرتها إلى هذه العلاقة على انها علاقة مادية لا يرتهن استمرارها بمعطيات اخرى كهدفية الزواج الانسانية الكامنة في ايجاد شريك الحياة المناسب لضمان الرحمة والمودة والسكينة وتسديد كل منهما خطى الاخر .

ولتجاوز هذه النظرة السلبية للزواج ترى خضر ضرورة نشر الوعي وتبصير الشباب والشابات بمقاصد الزواج, واما افتراض أن الخلع أو الطلاق تحصيل حاصل لهذه العلاقة, وافتراض اتكاء كل من الزوجين على ما يحق له قانوناً يوحي بمشكلة اجتماعية متجددة، تؤذن بنوع اخر من المشاكل, ولردع هذه المشكلة يجدر على كل من الطرفين محاولة فهم الآخر قبل الولوج في العلاقة الزوجية على الاقل بالقدر الذي يكفل عدم وصول العلاقة الزوجية إلى طريق مسدود لا مناص من التخلص منه الاّ بالتفريق بين الطرفين .

ويوضح الدكتور ابراهيم زيد الكيلاني تداعيات استخدام هذا القانون باسهاب اكبر,فيقرّ بالاتجاهات الجديدة التي ارتآها الشباب بشكل عام خاصة بعدما لوحظ ظهور مشكلات تتمثل في كيفية اثبات ما يستحق أن يرد للزوج، إذا ما علمنا أن المهر في كثير من الحالات كان لا يسجل بدقة ويكتفى بتسجيل دينار ذهب، وباعادة المرأة هذا المبلغ معناه حصولها على الحرية، وتجاهل ما يترتب من هدر لحق الزوج فيما انفقه من مبالغ للزواج، وانطلاقا من هذا اصبح الحرص على تسجيل كل شاردة وواردة من تبعات الزواج ديدن الشاب الشرعي, كما هو الحال عند المرأة في حرصها على تسجيل مؤخر الصداق الضامن لعدم استسهال الزوج انزال لفظة الطلاق. وبناء على ما سبق فالاشتراطات المادية غدت عاملاً حيوياً ومعقولاً يوحي بامكانية استمرار الحياة الزوجية ولو على مضض، بل ويقلل إلى حد ما من الانعتاق من الشراكة الزوجية والتي يتطلب من المُقْدِم عليها _سواء أكان الزوج أو الزوجة _ التفكير ملياً في الاملاءات المادية المترتبة على أي من الطرفين .

هذا وظهرت مخاوف جدية من امكانية تعسّف الزوجة في استخدام هذا القانون سواء استدعت الظروف استخدامه ام لا، ولعل هذا الجانب تحديداً كان من اكثر الجوانب استهدافاً، بل ويمثل مدخلا خصباً يرتع فيه المتألبون على هذا القانون, والذي يحاولون من خلاله تكثيف عورات قانون الخلع, وتسليط الاضواء الكاشفة على افرازاته ومثالبه.

 وتذود خضر عن هذه الناحية متسائلة هل الخوف من التعسف في توظيف القوانين مسوّغ حثيث لمنع اقرار قانون ربما يحتاج اليه المجتمع بصورة ملحّة ؟ وهل الخوف من المبالغة في الالتجاء اليه مبرر مقنع لحرمان المرأة مما شرع لها في ديننا الإسلامي؟ ولماذا لا تبزغ هذه الهواجس عندما يتعسف الزوج في استخدامه لحقه في الطلاق دون علم الزوجة ؟ والحالات الاجتماعية التي مورست على المرأة جراء هذا التعسف متعارف عليها بل ويعمل بها كورقة رابحة ضد المرأة، فلماذا لم تثر ثائرة هؤلاء المتألبين في سوء استخدام الرجل لهذا القانون؟ أم أن القضية بعيدة عن القانون واقرب ما يكون ارتباطها بنوع الجنس؟

ومن جهته يرى الدكتور الكيلاني ان ما يغري في التعسف هو السهولة المفرطة في حصول المرأة على مرادها من هذا القانون، فالضوابط عليه تكاد تكون غير موجودة والاهم من ذلك ان تفاصيله تكاد تجنح لنصرة المرأة وتيسّر آلية الحصول على مرتآها.
وفي حين يرى البعض ان قانون الخلع ما زال يقبع تحت وطأة الضوابط والقيود المعيقة لتوظيفه بشكل اكثر انطلاقاً، يرى محمد ابو فارس ان الحرية في استخدامه قابلة للتمادي، بل وفيه من التفاصيل ما يبيح للمرأة باستعماله عند الحاجة وهنا تكمن نقطة الخلاف بين قانون الخلع والذي تستعمله المرأة وبين الطلاق والذي يكون بيد الرجل؛ فالرجل يعي انّ نتائج ايقاع لفظة الطلاق لن تتوقف عند رد مؤخر الصداق فحسب بل النفقات الشرعية ستكون بانتظاره كذلك، وهذا يمثل رادعاً قوياً ومؤثراً يوحي بالحدود والضوابط المحدقة بهذا الحق.
ويسترسل ابو فارس في مخاوفه من التعديلات المتلاحقة على هذا القانون, والتي ربما تصل الى اعفاء المرأة من رد ما أخذته من الرجل، وعندها لا يمكن التنبؤ بالافرازات الاجتماعية الناتجة عن هذا التعديل.

وتطرح خضر وجهة نظر مغايرة للرأي السابق فهي تجزم ان القيود على هذا القانون امر واقع، ولعل ابرزها القيود المادية فلن تستطيع المرأة ممارسة حقها من قانون الخلع طالما ان هنالك ثمن ربما يمثل عبئاً ثقيلاً على كاهل بعض النساء – كما ذكر سابقا -، فلا اقل من ان يعرف الطرف الحقيقي المسبب للجنوح نحو الانفصال، فاذا ما كانت الزوجة هذا الطرف فمن حق الزوج ان يعوَّض جرّاء ذلك, وان كان تعسف الزوج هو السبب فلا ينبغي على المرأة اعادة ما قبضته من مهر والتنازل عن باقي حقوقها.
ومن هنا تأمل خضر حدوث تعديلات جوهرية على قانون الخلع عقب اعادة تشكيل مجلس النواب والسلطة التشريعية, وان لا يتعرض هذا القانون للمساومات السياسية ايا كان نوعها باعتباره الركن الاوهن, والذي يغري اغلبية من المعارضة بمهاجمته لاعتبارات بعيدة عن المصلحة الاجتماعية, كما تدعو مجلس الامة القادم الى تكثيف الجهود للخروج بقانون شامل مكتف بذاته يحمل على عاتقه انصاف كل من له علاقة به, فالقانون من وجهة نظرها لم يصل الى المثالية والنموذجية .

ومن هذه التعديلات التي ترتئي خضر ضرورة النظر اليها عدم ارتباط اصدار القرار من القاضي بالخلع بدفع المبالغ المترتبة على المرأة، انما يمكن اعتبارها ديناً بذمتها تسدده على دفعات ميسرة، بل ترى خضر كذلك عدم ضرورة الزامية المرأة بدفع كل هذه المبالغ الا اذا كانت مسؤولة بشكل أحادي عن رغبتها بالانفصال.

وأما عن نظرة المرأة الاردنية الى هذا القانون باعتبارها صاحبة الشأن الأول به، فترى خضر أن التعديلات جاءت لتحقيق جزء من تطلعاتها الى تشريعات وقوانين تكفل لها العلاقات الاجتماعية القائمة على توخي العدالة والمساواة، لا على القهر والتعسف والتنكيل بها، كما تأمل المرأة الأردنية أن تطول التعديلات على قانون الاحوال الشخصية مجالات أخرى كإنشاء صندوق تسليف النفقة بموجبه، بحيث تحصل الأطراف المستفيدة من هذا الصندوق على نفقتها مباشرة وبسهولة وأن لا تلزم بمتابعة اجراءات التنفيذ في الدوائر الحكومية بصورة تستغرق أحيانا تكاليفها قيمة النفقة المحكوم بها.

وهذا ما أخذت تجأر به الهيئات النسائية الممثلة للمرأة الاردنية بضرورة النظر مطولا على النصوص الشرعية لقانون الاحوال الشخصية وترجو هذه الهيئات من صناع القرار أن يضعوا نصب أعينهم ان المجتمع الأردني بانتظار تعديلات واقعية على ما يرتبط عضويا بحياته وشؤونه الاجتماعية، كما تأمل هذه الهيئات أن تأتي تلك التعديلات بالقدر الذي يأمله المجتمع الاردني أجمع.
وعليه فالملاحظة العامة المنسحبة على كل ما سبق أن اطرافاً كثيرة تجاذبت قانون الاحوال الشخصية بشكل عام وقانون الخلع بشكل خاص بالحديث والجدل ، فمنها من ذاد ودافع عنه لاعتبارات اجتماعية مهمة مستدلين بالاحصائيات المتنامية والتي سجلتها المحاكم الشرعية منذ اصدار القانون في كانون الأول عام 2000 حتى نهاية عام 2002 والتي بلغت 500 قضية خلع مقدمة الى المحاكم الشرعية -وفقاً لتقديرات صحفية-، ولعل عدد قضايا الخلع يحمل في طيّاته اشارة مستحسنة ودلالة ايجابية مفادها المرجعية القانونية المرنة التي يمثلها قانون الخُلع, واعتباره الموئل الشرعي والملجأ الأكثر قبولا في نظرة الغالبية من النساء, خاصة وانه يحقن الكثير من المواقف المحرجة التي غالباً ما تزج اليها الأطراف المعنية في قضايا الخلع.

وفي حين أن هنالك من يحاول بزّ المنددين باقرار هذا القانون متكئين على الاعداد المتسارعة في قضايا الخلع المسجلة في المحاكم, يعكف الطرف الثاني على استنكاره بل والتمثيل به لما يمكن ان ينجم من تزايد استخدامه بكثرة وبصورة مبالغة, فمن وجهة نظر هؤلاء ان هذه الاعداد كبيرة بما يكفل توليد مآسٍ اجتماعية لا تحمد عقباها.

وبالمجمل ,فالجدل ماض حول التعديلات الحاصلة على قانون الاحوال الشخصية بما يتضمنه من مادة الخلع التي اثارت ضجة اعلامية كبيرة, بين رافض لهذه الخطوة وبين اخر مؤيد لها، ولربما كان يجدر بالرافضين لهذه التعديلات الوقوف بموضوعية إزاء هذا التعديل, والاتجاه الى تحديد مثالبه_ كما يرونها_ بصورة اقرب الى روح العقل منها الى الاستنكار فحسب, بما يكفل تقارب وجهات النظر بين الاطراف اللا متماثلة في هذا الموضوع للخروج بتوصيات تحثّ على استئناف مسيرة الاصلاح الاجتماعي, والتي لا يمكن ان تتم بغياب التشريعات والقوانين الداعمة للمرأة .

واذا تذكرنا ان تضارب الاراء وتصارعها بهدف الاختلاف فحسب يفضي الى استنزاف الجهود الماضية نحو الارتقاء بالوضع النسائي, وجب علينا تأطير هذه الجهود في نطاق هادف الى استصلاح الوضع البنيوي في المجتمع, والذي تمثل المرأة جزءا غير قليل منه . واذا كان لا بد من الاختلاف في وجهات النظر _وهذا مما لا بد منه _ فليكن ولكن ليكن اختلافا بناء نهضويّا قادرا على تحقيق دفعة امامية لشؤون المرأة, وانصافا واقعيا لقضاياها دون ممالئة او تزلف, يحد من حرمانها من حقوقها كانسان.

 
-باحثة في مركز القدس للدراسات السياسية