2018-04-14
معالي الأخ والصديق، المهندس موسى المعايطة
وزير الشؤون السياسية والبرلمانية
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة
الأصدقاء الأعزاء ... الصديقات العزيزات
أسعد الله صباحكم جميعاً بكل الخير، واسمحوا لي أن أبدأ هذه الجلسة بتوجيه جزيل الشكر والامتنان، لصديقنا، صديق المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومراكز البحث والتفكير، معالي العزيز "أبو حابس"، الذي لم يتردد للحظة، كدأبه دوماً، في قبول دعوتنا له للمشاركة في أشغال هذه الورشة... وأشكر كل واحد
منكم وكل واحدة منكن، على تفضله وتفضلها بقبول دعوتنا والمشاركة في أشغال ورشتنا هذه .... كما وأتوجه بجزيل الشكر والتقدير للصديق نيتي شيهو، المدير الإقليمي للمعهد الوطني الديمقراطي، على دعمه الموصول لأنشطة مركز القدس إلى جانب العشرات من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني.
الأعزاء والعزيزات
أرجو أن أبدأ مداخلتي الافتتاحية، بوضع هذه الورشة في سياقها الأوسع والأشمل... فالأردن اليوم، كما لا يختلف اثنان، يجابه سلسلة من التحديات والتهديدات المصيرية، داخلياً وخارجياً... كما أن وطنيين اثنين لا يختلفان على حقيقة "أن تحصين المناعة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية"، هي أولوية وطنية كبرى، لا تسبقها أية أولوية أخرى.
إن "تحصين جهاز المناعة الوطنية" إنما يتطلب سلسلة من الخطوات الجريئة في مضامينها والاستراتيجية في أهدافها، بعد إعمال "التفكير من خارج الصندوق"، تبدأ بتشكيل هيئة ملكية عليا للحوار الوطني، الجدي وغير الشكلي، الذي لا يستثني أحداً، ينتهي إلى صياغة ميثاق وطني جديد، يستبطن المعاني والأفكار السامية التي تضمنتها الأوراق النقاشية الملكية السبع، ويرسم بدقة وبتوافق وطني عريض، قواعد اللعبة السياسية في بلادنا، ومنظومة الحقوق والواجبات "الفوق دستورية" التي يتعين احترامها والالتزام بها، وعدم تخطيها في أي ظرف، ومن قبل أية جهة.
إن وضع رزنامة زمنية لترجمة الأوراق النقاشية، بات اليوم مهمة وطنية لا تحتمل التأجيل والانتظار ... ويتعين على الهيئة الملكية المقترحة، أن تشرف بنفسها على وضع هذه الجداول الزمنية، وفي القلب منها، الاتفاق على قانون انتخاب جديد، صديق للأحزاب السياسية، يضمن صحة التمثيل، وينتهي بعد انتخابات شفافة، حرة ونزيه، إلى تشكيل برلمان قائم على التعددية الحزبية، برلمان يعمل على استعادة ثقة المواطنين والرأي العام، بالمؤسسة التشريعية/التمثيلية، وتنبثق منه، حكومة برلمانية، لطالما تحدثنا عنها، ووعدنا بها، إلا أننا نبتعد عنها، أو تبتعد عنا، بدل أن نقترب منها، ونسعى في خوض غمار تجربتها.
لقد أمنّت التعديلات الدستورية الأخيرة، حياد المؤسسات العسكرية والأمنية عن التجاذبات السياسية، وحفظتها كمؤسسات وطنية، غير حزبية، منزهة عن الغرض السياسي أو الانحياز الإيديولوجي، الأمر الذي يشكل "شبكة أمان" ومظلة حامية لمبادئ الدستور وقواعده الحاكمة.
الأخوات والأخوة
لقد أتيح لنخبة من الشخصيات الوطنية الأردنية، وبتوجيه ملكي سامٍ، الاطلاع عن عروض لأبرز التحديات والتهديدات التي تجبه البلاد، على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، داخلياً وخارجياً، ويحق لنا أن نفخر بالجهود العظيمة، الواعي والمحترف، الذي تقوم به مؤسساتنا العسكرية والأمنية في حفظ أمن الحدود والسهر على سيادتنا الوطنية، وتحصين الداخل من محاولات الاختراق الإرهابي، متعددة الأهداف والمصادر، فلكل منتسبي هذه الأجهزة والمؤسسات منا جميعاً، كل التقدير والاحترام.
على أن ذلك لا يعفينا، حكومة ومجتمع مدني وأحزاب سياسية ومواطنين أفراد، من مسؤولياتنا، في تحصين منجزاتنا الوطنية، والبناء عليها، وتصحيح الأخطاء التي تعتري المسار والمسيرة، من خلال الإقدام على تفعيل العمليات والديناميكيات السياسية، وخلق نخبة جديدة، عبر صناديق الاقتراع، وفتح نظامنا السياسي، لمزيد من المشاركة، وإعادة الاعتبار لمفهوم "المواطنة المتساوية والفاعلة"، وتمكين مؤسسات الدولة والمجتمع، من التصدي لآفة الفساد ومحاربة التطرف والغلو، وتعزيز الشراكة بين القطاعات والفئات المختلفة، وإطلاق الحوار المجتمعي، وتعميق شعور كل مواطن، بأنه غير متروك، وأن لصوته قيمة، وأنه محور العمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا وهدفها.
أيها الأخوة والأخوات
لا حلول سحرية لما نحن فيه وعليه من تحديات، وكل الوعود التخديرية بقرب الخروج من عنق الزجاجة، لن تصمد طويلاً أمام صلابة "الوقائع العنيدة" و"المعطيات الصلبة"، وليس أمامنا من خيار سوى أن نعمل بجد، لتعزيز قدرتنا على الصمود في مواجهة هذه التحديات، وأن نحذو حذو الراحل الكبير، جلالة المغفور له الملك حسين، حين فتح الباب في عام الأزمة الاقتصادية الكبرى، 1989، لاستئناف الحياة الحزبية والبرلمانية، ومكن الأردن والأردنيين من مواجهة المحنة الكبرى، بأكبر قدر من الصلابة والوحدة، وبأقل قدر من الخسائر، وفجر في صدورهم طاقة الأمل وحفز عزائمهم على اجتياز الأزمة التي كانت تعتصرهم.
إن الأمن والاستقرار من أهم منجزاتنا، يجب الحفاظ عليهما بحدقات العيون، والاستمساك بهما بالنواجذ، وغني عن القول إن هذه المهمة لا تقع على كاهل المستويين الأمني والعسكري، فمن أجل أمن مستدام، واستقرار عميق، يتعين أن نعمل بجرأة وثبات، لتحفيز مسار الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وان نطلق طاقات كل واحد منا، رجلاً كان أم امرأة، وخصوصاً الأجيال الشابة، التي تعبث بمصائرها أرقام البطالة والفقر، وتراجع سوية ومستوى التعليم، وتفشي مظاهر التطرف والغلو، وارتفاع وتائر الجريمة والانتحار.
كما أن الانتقال من وضعية "الاعتمادية" التي نعيشها اليوم، إلى فضاء "الاعتماد على الذات"، إنما يستجوب تعميق ثقة النخب بشعبها، وتعزيز التفاف الشعب حول نخبه الممثلة، فما يجبه الأردن من تحديات تطال أمنه ووجوده وهويته الوطنية، وتطل برأسها من ثنايا "صفقة القرن" ومشاريع الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية، و"من ظلم ذوي القربى"، يستوجب اشتقاق سياسات وتبني توجهات وإجراءات، تتسم بالجرأة والعزم، والخروج عن رتابة "تجريب المجرب".
أيتها الأخوات... أيها الأخوة
كنت سأعرض عليكم في كلمتي الافتتاحية هذه، موجزاً لما انتهت إليه دراسة المركز حول أثر قانون الانتخاب على تشكل المجلس الثامن عشر وأدائه، لكنني آثرت وضع المسألة في سياقها الأكبر، وعرض الصورة الأكبر للمشهد السياسي الأردني، فالدراسة بين أيديكم، وخلاصاتها متركزة في صفحاتها الخمس الأخيرة
على أنني سأقول بإيجاز شديد: أن قانون الانتخاب لسنة 2016، وبرغم أنه قطع مع قانون الصوت الواحد، إلا أنه لم يأت بالبرلمان الذي يتطلع إليه الأردنيون والأردنيات، فالبرلمان الثامن عشر من حيث تركيبته وأدائه، لم يأت مغايراً لبرلمانات الصوت الواحد، ولذلك أسباب عديدة، منها، تفتيت الدوائر الانتخابية واختلال التمثيل وكثرة الكوتات ونظام أعلى البواقي، وغيرها مما يمكن الوقوف أمامه تفصيلاً، وسنشبعه بحثاُ ونقاشاً في سياق الورشة.
ونحن نتقدم إليكم اليوم، بخطوط عريضة، كنا دافعنا عنها، وسعينا لحشد التأييد لها منذ سنوات، وتتخلص أساساً في تخفيض عدد مقاعد المجلس، واعتماد نظام انتخابي مختلط، بحيث تنتخب نصف مقاعد المجلس على أساس القائمة النسبية، الوطنية/ الحزبية، ونصفها الآخر بنظام النسبية المفتوحة على مستوى المحافظات، واعتماد "عتبة حسم"، وتغيير نظام احتساب القوائم الفائزة، وتحويل الدوائر المغلقة إلى دوائر جغرافية، تتبع محافظاتها، ونود أن نستمع منكم اليوم، إلى تصوراتكم ورؤاكم، لما يتعين أن يكون عليه قانون الانتخاب الجديد.
ولقد ارتأينا أن نفتح باب الحوار المبكر لهذا القانون، من أجل توفير الفرصة لأوسع توافقات وتفاهمات وطنية حول هذا القانون ... ولا بأس من مأسسة هذه الحوار، بل وندعو لذلك، ونأمل أن يكون من ضمن جدول أعمال أوسع، بعنوان نحو ميثاق وطني جديد، وجدول زمني لإنقاذ مضامين الأوراق الملكية النقاشية.
إن الوصول إلى هذه التفاهمات العريضة، يشكل مقدمة ضرورية لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، في موعدها المقرر، أو قبل ذلك، لإحداث الاستدامة المطلوبة والضرورية في مسار الإصلاح السياسي.
ومثلما نلتقي اليوم، لمناقشة أثر قانون انتخاب 2016 على تشكيلة المجلس وأدائه، فإن نأمل أن نلتقيكم غداً، في القريب العاجل، لمناقشة أثر اعتماد "اللامركزية" على أداء مجلس النواب، مؤسسة ولجاناً وكتلاً نيابية ونواباً أفراداً ... فمنظومة الإصلاح السياسي، كلٌ متكامل، رزمة واحدة، وليست جزراً معزولة، لا يربطها ببعضها البعض، جسر أو نفق.
أتمنى لورشتنا هذه النجاح والتوفيق في تحقيق مراميها، أجدد شكري وتقديري لكم جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-كلمة الأستاذ عريب الرنتاوي قدمت في جلسة أفتتاح ندوة:"نحو حوار وطني مبكّر لمراجعة قانون الانتخاب 2016" ، يوم السبت 14 نيسان/ابريل 2018 ، فندق الماريوت/ عمان.
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة