A+ A-
مستقبل العلاقة بين الإسلاميين والحكم في الأردن، قواعد العلاقة وضوابطها
2015-08-29
لا شك أن الجبهة الداخلية هي الأرضية التي تستند عليها الدولة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية فمكانة الجبهة الداخلية هو خط الدفاع الأول والرئيس في وجهة هذه التحديات، وضعف وتخلخل الجبهة الداخلية هو مسمار رئيسي في نعش هذه الدول وأنظمتها .
 
والجبهة الداخلية قد تستند إلى جمع صف قوى الشعب والتفافه حول أهدافه الوطنية وصقله في نسيج متماسك قادر على مواجهة التحديات هذا بالإضافة إلى القوة العسكرية والأمنية والاقتصادية .
 
الحركة الإسلامية في الأردن ( جماعة الإخوان المسلمين ) :
 
تأسست الجماعة في الأردن منذ بداية عام 1946 بقرار من مجلس الوزراء وبنت علاقة راشدة ومستقرة مع النظام السياسي تخللها بعض المحطات من التوتر ( بعض الاعتقالات لقياداتها وخاصة مراقبها العام الأسبق محمد عبد الرحمن خليفة ) وبخلاف ذلك اتسمت العلاقة بالايجابية حتى مطلع الثمانينات عندما بدأ التضييق والاعتقال والملاحقة الأمنية لأبناء الجماعة وحرمانهم من الوظائف وحرية السفر والانتقال، ومع ذلك كانت العلاقة معقولة، شاركت خلالها الجماعة بالعملية السياسية والانتخابات النيابية والبلدية والنقابية والعمل الخيري والاجتماعي وخلافه واتخذت مواقف مبدئية إلى جانب أمن البلد واستقراره في محطات مختلفة ( 1956 وعام 1970 وعام 1989 ) وغيرها من المحطات والمواقف الفرعية. وقد عابت عليها قوى سياسية مختلفة هذه المواقف الوطنية ووقوفها الى جانب أمن واستقرار الوطن ونظامه السياسي .
 
لكن العلاقة اختلت بين الحركة الإسلامية والنظام السياسي منذ بدء التحضير لمعاهدة وادي عربة والسعي لتحجيم حضور الحركة الإسلامية ووجودها وحقها في الوصول الى المجالس المنتخبة كمجلس النواب من خلال قانون الصوت الواحد، وتزوير الانتخابات البلدية والتدخل في الانتخابات الطلابية والنقابية .
 
ومع فجر الربيع العربي اتخذ الإخوان قرارهم المسؤول بمنع دخول شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " الذي ماج في المنطقة في ذلك الوقت وساهموا في الحفاظ على الوطن والنظام السياسي وقدموا شعار " الشعب يريد إصلاح النظام " انسجاماً مع مبادئهم وحفاظاً على الأمن والاستقرار الوطني وتقديراً أن النظام السياسي ليس بحاجة الى أكثر من إصلاح لبعض مفاصله، وطرحوا رؤيتهم للإصلاح الحقيقي .
 
وبعد هدوء موجة الربيع العربي ابتدأت موجة من الانتقام من الحركة الإسلامية ان كان ذلك انسجاماً مع الجو الدولي والإقليمي أو كان ذلك سعياً من البعض للمحافظة على واقع ومكتسبات يرفض ان ينافسه أو يناقشه أحد في إدارة الوطن .
 
وأعتقد ان وراء ذلك فئة تريد المحافظة على مكتسباتها وما استأثرت به على حساب الوطن ولم تصدق النصح والرأي لصاحب القرار متناسية ومتجاهلة العلاقة الإستراتيجية التي ربطت الحركة الإسلامية بنظام الحكم والدور الكبير الذي لعبته الحركة الإسلامية عبر تاريخها عامدة على إقصائها من إيصال صوتها لصاحب القرار خوفاً على مواقعها ومكتسباتها .
 
نعم لقد قامت العلاقة بين الإخوان والدولة على الحرية في العمل وحفظ الوحدة الوطنية والمحافظة على الاستقرار والأمن في البلاد، وعلى العمل السلمي المدني بكل مستوياته، وظل التعايش هو سيد الموقف بين الطرفين حتى في ظل مناوشات أمنية من الدولة وسياسية من الإخوان في عدد من المحطات السابقة، فظل الملك يعتبر هذه الجماعة ضمانة مهمة من ضمانات استقرار الحكم والأمن في البلاد، وبذلك شكلت فلسفة التعايش أساس العلاقة بين الإخوان والدولة، وظلت قواعد العلاقة بينهما غير قابلة للاختراق حتى في ظل التحولات وتغير العلاقة بين الحركات الإسلامية وأنظمة كثير من دول المنطقة .
 
وتمتع الإخوان بشرعية اجتماعية وقانونية وسياسية على حد سواء، وكان للجماعة دور مهم في العمل السياسي في البلاد منذ انطلاقة الديمقراطية الأردنية الجديدة عام 1989، حيث أدرك الإخوان المسلمون واجباتهم الوطنية، وأن عليهم كما على الآخرين مسؤولية بناء الدولة وتطويرها، وشهد لهم كثيرون حيث يقول دولة الأستاذ فيصل الفايز عنهم ( لقد انخرطوا بقوة في مختلف مؤسسات الدولة، وشكلوا مع مكونات الدولة الأخرى فسيفساء زاهية، وعملوا ما أمكن بمشاركة الآخرين على تطوير الحياة الحزبية والسياسية في الأردن، وتعزيز الديمقراطية فيه، وجاهدوا بالكلمة الراشدة والعمل المخلص في بناء الأردن الأنموذج.. فكانوا على الدوام من بين المكونات السياسية، هم الأقرب إلى ملامسة هموم الوطن وأوجاعه ) .
 
ولم تسجل الجماعة على نفسها موقفا واحدا مناهضاً لمصالح البلاد، بل كانت معارضتها باعثها الحرص على مصلحة البلاد، ما أبقاها جماعة وطنية غير متهمة، وتحظى باحترام أطياف المجتمع بكل منابته، وأراحت الدولة في المقابل لأنها لا تناكفها ولا تزاحمها، وإنما تسعى للمشاركة السياسية وتطالب بتعديلات دستورية وفق قواعد الدستور والنظام العام، وظل القصر الملكي يدعم فكرة اعتدال الجماعة ورشدها وشرعيتها في عهد الملك عبدالله الأول والملك حسين والملك عبدالله الثاني، وعلى مدى 70 عاماً .
 
فإذا كانت هذه هي طبيعة الجماعة وهذه هي العلاقة التي ربطتها بالدولة والنظام فإننا جميعاً مدعوون للإجابة على التساؤلات المثارة بما يمثل مسألة ومصلحة وطنية تصب في مصلحة الفهم والبحث عن خيارات أفضل بديلاً عن التوتير في العلاقة وإثارة القلق في قضايا وطنية مختلفة :
  • ما هي أسباب ودوافع هذا التوتير ؟
  • وما هي تداعياته ؟
  • ولمصلحة من يتم اصطناع هذا التوتير ؟
  • وماذا استفادت البلاد والنظام من هذا التوتير ؟
  • وما قيمة إضعاف جماعة ملتزمة بالقانون والنظام وتعمل في العلن وتدعم الأمن والاستقرار وتمثل خط ونهج اعتدال ؟
  • وما هو انعكاس مواجهة جماعة تعمل وتشكل رافدا مهما من روافد الوحدة الوطنية ؟
  • وما هي المصلحة الوطنية المتوخاة من تصعيد التوتير واستمراره ؟
  • وماذا يخدم الوحدة الوطنية من إثارة مسألة الأصول الفلسطينية لبعض قيادات الجماعة ؟
  • وهل قضية فلسطين ليست جزءا أساسيا من صلب السياسية الأردنية ؟
 
ولذلك فان مقتضى المصلحة الوطنية والموضوعية يفرض التوجه للم الأزمة ورسم معالم الخروج منها وليس تعميقها، وخاصة إذا علمنا أن أخطر تداعيات توتر العلاقة بين الطرفين، وانقسام الإخوان، وتدخل الدولة ضد الجماعة والنفخ في مجموعات صغيرة لشرذمتها هو فقدان الدولة لدور الرعاية ودورها في التوفيق بين مكونات البلاد، ورعاية مصالحها الجمعية دون تمييز، كما أن الدولة الأردنية أسست نفسها كدولة قانون ومواطنة، فكيف يمكن تسويغ هذه التصرفات من البعض تجاه جماعة أردنية وطنية معتدلة، حتى لو اختلف معها البعض في الرأي والموقف السياسي أحياناً ؟
 
إن هذا المستوى من التوتير طارئ على قواعد العلاقة وعلى سلوك الدولة الأردنية مع الجماعة، بل ومع الجماعات والمكونات المثلية والحزبية.
 
قواعد العلاقة وضوابطها :
 
إن الحوار يمثل دوماً الطريق القويم للوصول إلى تفاهمات وتأطير للعلاقات ووضع قواعد وضوابط لهذه العلاقات التي تربط بين الناس عموماً والسياسيين على وجه الخصوص، وهو أدعى بين أفراد العائلة الواحدة التي تمثلها حالة الأردن بنظامه التوافقي، والقائم على تماسك بنيانه المجتمعي بين كل المنابت والأصول بلا استثناء، وفتح أبواب الحوار المباشر وغير المباشر، واعتماد الصراحة في تناول القضايا الخلافية هي الطريق لإعادة ترسيم علاقة تقوم على القواعد التالية :
 
أولاً: إلتزام الحفاظ على الجماعة ورأب صدعها ودعم وتشجيع تماسكها للمحافظة على الوحدة الوطنية .
 
ثانياً :توفير أجواء الحرية لحاضنة الإسلام المعتدل وتفويتاً للفرصة أمام كل دعاة التطرف والغلو .
 
ثالثاً : السعي لإعادة بناء علاقة مستقرة تحت مظلة الدستور ومن خلال قانون يستوعب دور الجماعة على شاكلة قوانين النقابات وبعض المؤسسات الوطنية .
رابعاً :قيام الحركة بواجبها الوطني للإسهام في بناء نسيج وطني متماسك قائم على الاعتدال والانتماء .
 
خامساً: قيام الحركة بواجبها من مشاركة في العملية السياسية بعد تهيئة الأجواء في ظل تعديل جاد لقانون الانتخاب .
 
سادساً: قيام الجماعة بواجبها الوطني في تحمل المسؤوليات في مواجهة ما يعترض البلاد من تحديات وأزمات داخلية وخارجية ومن خلال مواقعها التي تشارك بها .
سابعاً: طي ملف الخلافات وإعادة مؤسسات الحركة التي تم مصادرتها وعلى رأسها جمعية المركز الإسلامي .
 
ثامناً : استمرار الاتصال والحوار المباشر بين الحكم والحركة لاستجلاء كل أشكال سوء الفهم .
 
نعم إن هم الحفاظ على هذه الحركة ووحدتها ودورها الوطني لم يعد هماً يخص الجماعة وحدها بل هو هم يجب أن نشترك فيه جميعاً قيادة البلاد أولاً وقيادة الحركة الإسلامية والعقلاء من أبناء هذا الوطن وتمهيد السبل أمامها للإفادة من دورها في بناء جبهة داخلية موحدة يتشارك فيها الجميع بالقرار وتحمل المسؤولية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لصقل دولة قوية موحدة بكل مكوناتها مستقرة قادرة على التعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية والتصدي للتهديدات والمخاطر السياسية والاقتصادية والتطرف والإرهاب ومحاولة البعض النيل من الوطن واستقراره .
  • م. علي أبو سكر/ نائب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي
- ورقة عمل قدمت في مؤتمر "الأردن في بيئة إقليمية متغيرة – سيناريوهات المرحلة المقبلة"