A+ A-
كلمة معالي الدكتور محمد الذنيبات في مؤتمر "نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف ... فرص التوافق الوطني وتحدياته"
2015-02-14
بسم الله الرحمن الرحيم
 
اعتقد أننا نتفق جميعاً على أن التطرف والغلو والإرهاب ظواهر عالمية وليست محلية واعتقد أن من الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة سببين أساسيين:
 
  • سيطرة الأنظمة الشمولية في كثير من البلاد العربية وبلاد العالم الإسلامي وغياب التعددية وما أفرزته هذه الحالة من ظلم واحتكار للرأي ومصادرة حق الآخر في حرية التفكير والتعبير.

  • الخلل العالمي في تطبيق معايير حقوق الإنسان من بلد لآخر ومن تجمع بشري لآخر أيضاً وغياب أو عدم احترام مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية المسؤولة في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
  • التطرف لم يدخل بلدنا عن طريق التعليم وإنما دخل عن طريق الفضاء المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي ونقل أفكار وممارسات خارجة عن مجتمعنا إلى الداخل.
  • لم تكن حركة التغيير والتطوير في وزارة التربية والتعليم ومناهجها ردة فعل على أحداث تمر بها المنطقة في أي يوم من الأيام، لكنها تبنى وتعدَّل وتُطور وفق معايير مستمدة من دستورنا وقانون التربية والتعليم الذي حدد فلسفة التربية في طريقة بناء الفكر السليم وتعزيز الانتماء الوطني وتعزيز الفهم الصحيح للإسلام فيما يتعلق بالتصدي للغلو والتكفير والتطرف والإرهاب وتحصين أبنائنا ضد هذه المفاهيم من خلال تعميق مفاهيم التسامح والاعتدال والوسطية والتعايش مع الآخر واحترام الاختلاف في الرأي وصون النفس البشرية وحمايتها وفق ما جاءت به رسالة عمان.
عندما نتحدث عن إصلاح العملية التربوية وإعادة النظر في المناهج المدرسية والجامعية لابد أن ندرك مجموعة من الأمور:
  • المناهج الأردنية من أفضل المناهج على المستوى الإقليمي وهي مناهج مبنية على أسس تربوية راسخة وفق نظريات تربوية عالمية المعايير تراعي كل الجوانب التربوية والتعليمية للطالب وقد كانت وما زالت قادرة على بناء شخصية الطالب الأردني بجوانبها كافة، وعندما نتحدث في وزارة التربية والتعليم عن مراجعة وتطوير للمناهج ليس لأن المناهج فيها قصورٌ أو عجزٌ بل لأن التطوير والإصلاح هو نهج مستمر ومتواصل في المؤسسة التربوية الأردنية ومنذ عقود طويلة في مسيرة التطوير والإصلاح تلبية لمتطلبات عصر العلم والتكنولوجيا وانسجاما مع التطورات العالمية في المناحي العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن التطوير التربوي في الأردن يوماً ردود أفعال على الأحداث السياسية والأمنية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي بل تطوير يسير وفق تخطيط استراتيجي.

  • المناهج الأردنية زاخرة بالمفاهيم التي تحث على الاعتدال والتسامح واحترام الآخر وقبوله وهي متضمنة بكافة المباحث الدراسية (التربية الوطنية والاجتماعية، اللغة العربية، التاريخ، التربية الإسلامية، ...) بشكل تكاملي من الصف الأول أساسي إلى الصف الثاني عشر، علماً أن الوزارة تعمل حالياً على تطوير سياساتها واستراتيجياتها التربوية حيث تعمل على عقد مؤتمر إصلاح التعليم تتناول فيه كل محاور العملية التربوية والتعليمية من تدريب المعلمين ومراجعة المناهج وتوظيف التكنولوجيا في التعليم وتطوير التشريعات وغيرها من المحاور لضمان أفضل المخرجات التربوية والتعليمية.

  • وزارة التربية والتعليم تعمل حالياً على تنفيذ برامج لامنهجية للتوعية والتثقيف للطلبة للتعريف بالمفاهيم الإنسانية ومحاربة الغلو وأفكار التطرف، والحد من ظاهرة التسرب وتفعيل الرقابة على المدارس الخاصة ومنع المدارس المنزلية وعمل التشريعات اللازمة لذلك بالإضافة إلى برامج تأهيل معلمي التربية الإسلامية بالتعاون مع وزارة الأوقاف، وتوظيف الإذاعة المدرسية وفعاليات الطابور الصباحي، لتعزيز مفاهيم التربية الوطنية، وتنفيذ مشروع العمل التطوعي والثقافي (مدرستي وطني) خلال العطلة الصيفية وغيرها ....

  • محاربة التطرف والغلو هي مسؤولية تكاملية بين أجهزة الدولة المتعددة والاعلام والاسرة والمجتمع، فهي مسؤولية وطنية تهم كل فرد في الأردن.

  • الأردن في السنوات الأخيرة تعرض لموجات هجرة كبيرة من دول مجاورة مثقلة بالأفكار والمعتقدات والأنماط السلوكية المتطرفة بنيت في ظل ظروف صعبة من القهر والاضطهاد وانعدام الأمن والخوف في بلدانهم مما انعكس سلباً على ثقافة المجتمع الأردني.

  • الأردن بلد ديمقراطي يؤمن بالعدل والمساواة والتعددية والحرية وهو نصير لقضايا أمته العربية والإسلامية وهذا النهج الأردني الهاشمي على مدى تاريخ الأردن وضعه امام مسؤولية كبيرة وتحديات جسام ضحى من أجلها بدماء أبنائه.

  • التطرف والإرهاب ظاهرة عالمية وليست محصورة بفئة أو دين أو منطقة، والأردن كان وما زال ضمن المنظومة الدولية جزءاً في الحل ومبادراً لمحاربته.

  • الشعب الأردني ليس معزولاً عن محيطه فهو يتأثر بما يجري في دول الإقليم والعالم أيضاً من أحداث وتطورات التي تحكمها المصلحة وليس المبدأ، فعجز المجتمع الدولي عن تقديم حل عادل للقضية الفلسطينية على مدى سبعة عقود من الزمن ولد شعوراً من الظلم والاضطهاد كان له تداعياته على المجتمعات العربية والإسلامية والعالم اجمع.
إن من أهم الأدوار التي تقوم بها التربية هو بناء شخصية واعية متزنة فاعلة، لذلك فقد نصّت التشريعات والوثائق التربوية، وأسس وفلسفة التربية ومرتكزاتها، على استخدام لغة العقل في الحوار والتسامح في التعامل مع الآخرين وكرامتهم الإنسانية، واستيعاب مبادئ العقيدة الإسلامية السمحة وأحكامها وقيمها الإنسانية، وأن الإسلام نظام فكري سلوكي يرفض العصبية والإقليمية والعرقية وكافة أشكال التعصب والتطرف والغلو، ويدعو إلى التسامح والعدل والمساواة، والإيمان بالوسطية والاعتدال والتعددية، كما نصت التشريعات التربوية على تنمية الحس الوطني وصيانة الوحدة الوطنية والتركيز على التريبة المتوازنة عقلياً وبدنياً وروحياً.
 
وإيماناً من وزارة التربية والتعليم أن ذلك لا يتحقق بمجرد تسطيرها، وإدراجها في الوثائق الرسمية، بل إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب ترجمتها إلى إجراءات عملية، وتضمينها المناهج والكتب المدرسية.
 
وقد شرعت الوزارة في مراجعة وتطوير المناهج ابتداءً بالصفوف الثلاثة الأولى مع بداية العام الدراسي الحالي، حيث تضمنت مناهج هذه المرحلة تعليم النشء القيم الإنسانية النبيلة وترسيخ معاني المواطنة والانتماء والاعتدال والوسطية والتسامح والمحبة وقبول الآخر، كما تم توظيف قصص الأطفال اللامنهجية لهذه الصفوف كقراءات إضافية لتعزيز وغرس هذه المفاهيم في نفوس وعقول الطلبة، وتضمنت خطة الوزارة أيضاً تطوير المناهج للصفوف من (4-12)؛ لإدماج مفاهيم العدالة الاجتماعية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ونبذ التطرف والغلو الفكري، ونشر ثقافة الحوار والتسامح الديني والتعايش المشترك وصون كرامة الإنسان وحياته، بهدف بناء شخصية الطالب الفاعلة الواعية المتزنة، وربطها بمجموعة من الأنشطة والمواقف التعليمية لإكساب الطالب القيم والاتجاهات السلمية في التعامل مع مثل هذه المفاهيم.