A+ A-
مقاومة التطرّف بالأفعال.. وليس بالفعاليات !

المؤلف: ناديا هاشم العالول

المصدر: الرأي

التاريخ: 2015-02-17

كثر الحديث مؤخرا عن التطرّف الذي تألق بكثرة كنتيجة حتمية تلت فوضى الربيع العربي، الذي فجّركل انواع التطرف الكامن بالنفوس ،وبغض النظر عن نظرية المؤامرة من الخارج، المُشْعِلة عندنا لفتيل التطرف بنيران الفرقة والتشرذم ،والنزاع والخصام ، ولكن المتطرفين بيننا زودوا المؤامرات الخارجية بالكاز والكبريت..ناهيك عن النفخ المستمر في رمادها لإضرامها سرا وعلانية !
 
قبل ان اتحدث عن التطرّف الديني.. سواء الإسلامي منه او المسيحي او اليهودي.. علينا ان ندرك السبب الحقيقي وراء هذه الفوضى الأخلاقية والإنسانية واللامنطقية بل الجنونية بكل ما تحمل كلمة الجنون من معنى.. إن التطرّف «الشخصي» هو المنبع.. بل أساس كل علّة ، هذا التطرّف الذي يعود للغلًوّ النفسي لحد النرجسية ، وعشق الذات ، وجنون العظمة ، كلها برمتها تخلق شخصية متطرفة لا تبصر سوى محاسنها ومساوئ غيرها.. فقط.
 
وهذا هو مربط الفرس.. وقد ادرك «ميخائيل نعيمة «.. ما يعني هذا فقال: من كان لا يبصر غير محاسنه ومساوئ غيره فالضرير خير منه.
 
لقد أدركت القلة القليلة ببصيرتها النافذة مخاطر التركيز على الذات عندنا وعدم رؤية الآخر.. ورفْض الآخر..فحاولَتْ لفت النظر قبل وقوع الفأس بالرأس دونما فائدة..
فعلّة التطرّف «الشخصي» كبيرة متفشية ، تنعكس في القول والفعل والسلوك ،ولعل قيادة السيارات العشوائي خير دليل على التطرف الشخصي الذي تُفاقمه أو تحدُّ منه التربية الأسرية ، والمجتمعية ، والمناهج المدرسية.. كلها بمثابة بيئة حاضنة قد لاتغذّي ، او تغذّي التطرف في النفوس والعقول..حتى غاب الاعتدال.. أو تم تغييبه قسرا.
 
وتدريجيا شاهدنا كيف أن الشخصية المتطرفة تقوم بدور القاضي والحكَم والجلاد معا بنفس الوقت ،على صعيد الفكر ، والقول والفعل والسلوك.. حتى تعقّد الحال وصار من المحال تجنّب تبعات انزلاقات البعض للتطرف الديني.. وهو أخطر انواع التطرف ، لأن تأويل وتفسير النص الديني يتم وفق تفكير الشخص ومستوى علمه ونوعية نشأته و نقاء مرجعيته..الخ ، فإن كانت هذه العوامل بمجموعها صحيحة سليمة معافاة من أي خبث أو درَن ، حينها يخرج الخطاب الديني سليما معافى مجبولا بموضوعية بعيدة عن التحيّز والغبْن..والعكس صحيح !!
 
وهذا لا ينطبق على الإسلام وحده بل على الأديان كافة ، كاليهودية والمسيحية وغيرها..فنتيجة لفهم متطرف تم تجييرالدين عندهم فاحتُلِّت شعوب ، وهُجِّرَت شعوب، وأُزْهِقَت ارواح...
 
هل يعقل ان تُسجن الطفلة الفلسطينية» ملاك الخطيب « التي تبلغ من العمر14 عاما ، في سجون الاحتلال حيث يعتقل الاحتلال حوالي 1000 طفل سنويا.
 
هل يعقل ان يقوم مواطن امريكي بإطلاق النار على الأختين يسر ورزان ابو صالحة وزوجها ، فيرديهم بالحال.
 
وقبلها شهيد الوطن معاذ الكساسبة.. وما يجري من ذبح وقتل في العالم العر بي نتيجة التطرف الديني الذي نصّب نفسه حاكما وحكَما وقاضيا وجلادا على رقاب البشر.
وكل ما نراه هو فعاليات شعبية وطنية ومؤتمرات ولقاءات تلفزيونية وصحفية شاركنا بها على المستوى الفردي والجمعي ،ولعل آخرها مؤتمر « نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف» تحت رعاية دولة الدكتور عبدالله النسور ، والذي قام به مشكورا مركز القدس للدراسات ّ
 
لكن بالنهاية..ماذا سينبثق عنها ؟
 
نحن لست ضد الفعاليات لأنها ترفع من مستوى الوعي.. ولكن إلى اين.. نحن نريد قولا وفعلا وعملا وسلوكا وثقافة..
 
صحيح ان الأردن لم يقصّر بطلعاته الجوية العسكرية ضد دواعش الإرهاب.. وصحيح ان دولة الدكتور النسور قد وضع النقاط على الحروف بالمؤتمر الأخير المشار اليه اعلاه..مؤكدا على انه سيتم وضع خطة استراتيجية ،مرتكزة على مبدأ الشراكة بين المؤسسات العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني..
ونحن جميعنا نبارك هذا التوجه..وندعمه بقلوبنا وأعمالنا.. ولكن
 
كيف يمكننا اجتثاث التطرف من النفوس ذات الطبيعة المتطرفة ، المنجذبة لأي فكر متطرف؟
 
برأينا المتواضع نحتاج الى حزمة عناصر تحقِّق «الأمن» و «الإصلاح» عبر اهداف قصيرة وطويلة المدى..وفق «إدارة حكيمة للوقت»، تضع على اجندتها القيام بتسريع البنود « الأهم والأكثر إلحاحا «..وما يتبع..فبين حل عسكري، وإصلاحي ثقافة وتشريعا.. الى تفعيل حقيقي لاعتناق ثقافة الحوار الموضوعي ،وعدم التصلّب بالرأي , وعدم التحيّز..
نبارك هذه الخطة المستقبلية التي تسهم في تجفيف منابع التطرف لحماية الأجيال من الأفكار التي تروج لها المنظمات المتطرفة..
 
ويا حبذا توعية الأبوين في كل أسرة ، والمدرسة، والمناهج والمعلمين و الإعلام.. الخ.. في توليفة متعددة الجوانب تشترك بزيادة الوعي............وكفانا تفلّتا!
 
فالسلام لا يولد في المؤتمرات بل في قلوب الناس وأفكارهم وأفعالهم..حيث يقول ميخائيل نعيمة: لا يعلمون بأن الحرب لا تستعر نيرانها في أجواف المدافع.. بل في قلوب الناس وأفكارهم!

رابط المقال: