الدعوي والسياسي في تجربة الإسلاميين

2014-12-29

من السهل اطلاق حكم سريع بأن تجربة تيارات الإسلام السياسي في الحكم قد فشلت رغم اعتداد انصار التيار الديني بشرعية الصناديق التي أوصلتهم الى الحكم في مصر مثلا وكذلك الالتفاف على تجربتهم في تونس وتشكيل تحالف عريض لاسقاطهم عبر الصناديق ، والاصعب قراءة التجربة السابقة بمنطق السياسة التي اوصلت الاسلام السياسي الى الحكم كما فعل مركز القدس على مدار يومين بحكم ان اليوم الثالث لمناقشة العلاقة الاردنية مع الاسلاميين.
 
صناديق الاقتراع ليست الحَكم الوحيد في المراحل الانتقالية ولا يمكن الارتكان الى نتائجها كمعبّر عن رأي الشارع الشعبي ، لان حجم التداخل بين السياسي والدعوي والاجتماعي اكبر من المتوقع ، فبسطاء الشارع الشعبي انتخبوا على ارضية مخافة الله وحجم الدعم الاجتماعي المقدم لهم من تلك التيارات عبر سنوات طويلة ، بسبب امتلاك تيارات الاسلام السياسي لماكينة اقتصادية ضخمة ناجمة عن اقتصاد الجمعة تلك الماكينة التي لم تتمكن منها باقي التيارات السياسية الاخرى.
 
فالصوت النازل في الصناديق لم يكن صوتا سياسيا بل كان صوتا اجتماعيا سرعان ما انقلب على نفسه في مرحلة العمل السياسي الذي فشل فيه الاسلاميون بإمتياز ، فخبرتهم الاجتماعية طويلة ولا يشكك فيها احد لكن خبرتهم السياسية ضعيفة ومحصورة اما بالقطيعة مع الانظمة او بالعلاقات المسكوت عنها وغير المكتوبة ، فثمة هامش سياسي تتحرك فيه التيارات الاسلامية محدد وغير مكتوب مقابل فضاء حر للعمل الاجتماعي ، وهذا ابرز توافق بين الاسلاميين وانظمة الحكم ، وهذا التوافق الذي اهلّهم للوصول الى الناس وحصد اصواتهم.
 
تجربة الربيع العربي اوصلتهم دون مقدمات وتحضير الى مراكز القرار ومقاعد الحكم التي كانت الفخ الاكبر لهم والاختبار لمشروعيتهم السياسية لأن العمل الاجتماعي اكسبهم شرعية لكنه بكل الاحوال لا يعطيهم مشروعية سياسية فالاخيرة تحتاج الى تراكم وادوات وخطوات لا تتوفر في العمل الاجتماعي مثل التحالفات وقراءة الخارطة العالمية والتكوينات الاجتماعية السياسية وليس الاجتماعي فقط ، فكانت النتائج ان الاسلاميين لهم قواعد انتخابية ولكن ليس لهم قواعد سياسية وهذا ما سهل الانقلاب عليهم اما عبر الصناديق او عبر ادوات تقليدية.
 
صحيح ان الاسلاميين يحصدون اصوات المقترعين بكثافة تعجز عنها تيارات سياسية وحكومات ، لكنهم لا يستطيعون الحفاظ عليها دون مشاريع سياسية قابلة للضم والهضم من الشارع الشعبي والنخب السياسية التي استعداها الاسلاميون بقراءتهم الخاطئة للمرحلة الانتقالية التي لا تعترف بالاقصاء والتهميش لاي مكون مهما بلغ حجمه ولا تستوعب مصطلحات الفلول واتباع الانظمة السابقة طويلا كما حدث في مصر وتونس وحتى الاردن ، فقد اثبتت صناديق الاقتراع مؤخرا في تونس وبعض النقابات المهنية في الاردن ان هذه المصطلحات والتوصيفات لا تمتلك صلاحية طويلة للاستخدام.
 
لا يحتاج الاسلاميون الى مراجعة تقليدية لالية الفتوى والتفاعل مع الحداثة بل يحتاجون الى مراجعة جذرية لشكل العمل الاجتماعي بدلالته السياسية وليس بدلالته الانتخابية ، فأكياس الارز وعبوات الزيت والصدقات من صناديق الزكاة توفر صوتا ولا توفر دعما يمنح مشروعية سياسية ويوفر داعمين سياسيين والا لما احتاجوا الى العنف والعمل العسكري في دولة مثل مصر للدفاع عن مشروعهم السياسي الذي انهار بسرعة البرق والاهم التوقف عن الحديث عن الفرصة التي لم تكتمل فالسياسة لا تعرف الانتظار واللحظة طَوع من يقتنصها.
 
المراجعة المطلوبة مراجعة سياسية بإمتياز وبأدوات جديدة بحيث يستعيدوا لياقتهم السياسية التي تراجعت بفعل الخلط بين الدعوي والسياسي والانتخابي ، والغاء سياسة المياومة السياسية ، فهم يرفضون الحلف ضد داعش ولكنهم دعموا الحلف ضد النظام الليبي وطالبوا بإدراج القرارات ضد سوريا تحت البند السابع الذي يوفر التدخل الخارجي ، فالسياسة لا تحتمل التناقض وان كانت تقبل المراوغة ، فحضورهم في المشهد السياسي ضرورة ولكن بأدوات الملعب السياسي وشروطه واهمها القبول بالآخر كحقيقة واقعية.
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=TUVESUE=&id=1762