الأردن و"مؤتمر الفرصة الأخيرة" في أنابوليس

2007-11-08

من بين جميع دول الإقليم، كان الأردن طوال العامين الفائتين، الأكثر حماسا ونشاطا في الدعوة لاستثمار ما يمكن اعتباره "آخر فرصة للسلام في المنطقة"، وقد اكتسب هذا الموقف زخما إضافيا بعد خطاب الرئيس الأمريكي في تموز / يوليو الماضي الذي عبّر فيه عن رغبته في استضافة "اجتماع دولي" للسلام خريف العام الحالي.
 
النظرة الأردنية المؤيدة لمبادرة الرئيس بوش تنطلق من جملة اعتبارات أهمها اثنان:
(1) إن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من مختلف جوانبه وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، هو هدف قائم بذاته، سيؤثر بصورة إيجابية على أمن الأردن واستقرارها، مثلما سينعكس إيجابيا على أمن المنطقة واستقرارها...
(2) وإن حل هذا الصراع، سيساهم في تعزيز مكانة "معسكر المعتدلين العرب" ويحد من نفوذ قوى التطرف في المنطقة، المتمثلة بإيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس والحركات الأصولية المتطرفة، تلك الأطراف التي تنظر إليها مؤسسات صنع القرار في الدولة الأردنية على أنها "مهددات للأمن الوطني الأردني"، فضلا عن كونها مصادر تهديد للاستقرار الإقليمي.
 
والأردن، شأنه في ذلك شأن السلطة الفلسطينية وعدد من الدول العربية، يعتقد بأنه يتعين على المؤتمر أن يخرج بوثيقة ترسم أفقا واضحا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤسس لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتكفل الأمن لإسرائيل.
 
لكن الحماس الأردني الشديد للمؤتمر، يقابله حذر وتحفظ من مغبة ضياع فرصة السلام هذه، كما ضاعت من قبل فرص مثلها، حيث لوحظ مؤخرا أن التصريحات الأردنية المواكبة للمفاوضات التمهيدية المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تميل إلى خفض سقف التوقعات، وتكثر من التنبيه للمخاطر الناجمة عن فشل مؤتمر أنابوليس على المنطقة برمتها، وليس على الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب.
 
كما لوحظ مؤخرا، أن تعليقات بعض الصحف الأردنية أخذت تشير وباستغراب إلى مناخات التفاؤل التي يثيرها بعض المسؤولين الفلسطينيين حول مؤتمر أنابوليس، متسائلة عمّا إذا كان الفلسطينيون يخفون عن القيادة الأردنية مفاجأة من نوع "أسلو – 2"، وبصورة قد تعرض مصالح الأردن في مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينيين للخطر، الأمر الذي دفع بعض الصحفيين والصحف للحديث عن "فتور" في العلاقات بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس والقيادة الأردنية.
 
وتعرّف المراجع السياسية الأردنية مصالح الأردن في مفاوضات الوضع النهائي بأنها تتمثل أساسا تتمثل أساسا في مسائل اللاجئين والقدس والترتيبات الأمنية والمياه ومستقبل التعاون الاقتصادي، فالأردن يستضيف 40 بالمائة من اللاجئين الفلسطينية الذي يشكلون أكثر من نصف سكانه، وهو ملتزم برعاية الأماكن الدينية والمقدسات في القدس الشرقية بموجب معادة السلام الأردنية الإسرائيلية.
 
والأردن معني بملف المياه في ظل اشتداد عجزه المالي، والتعاون الاقتصادي والمساعدات المالية التي ستمكنه من إعادة تأهيل قطاع واسع من اللاجئين الفلسطينيين، فضلا بالطبع عن قضايا الأمن المشترك في ظل تداخل التهديدات والأخطار الناجمة عن تنامي دور القوى الأصولية والحركات الإسلامية في الأردن وفلسطين على حد سواء وبقية دول المنطقة.
 
لكل هذه الاعتبارات، يتزايد الاهتمام في الأردن بالمفاوضات التحضيرية التي تجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويزداد القلق من احتمالات فشلها، كما تزداد التحذيرات من مغبة تجاهل مصالح الأردن في الحل النهائي، مصحوبة بدعوات لالتحاق الأردن بالمفاوضات في مرحلة مبكرة، لشرح مواقفه وعرض مطالباته والدفاع عن هذه المصالح.
 
وينظر الأردن لمؤتمر أنابوليس من منظور إقليمي كذلك، باعتباره تعبير عن رغبة المعتدلين العرب ووحدة إرادتهم في السعي لبناء السلام في المنطقة، والتصدي للمتطرفين الذي يحاولون فرض أجندتهم على المنطقة، وفي هذا السياق، تفضل الدبلوماسية الأردنية تنسيق خطواتها مع بقية الأطراف العربية المنضوية في إطار ما بات يعرف بـ"الرباعية العربية" والتي تضم إلى جانب الأردن، كل من السعودية ومصر والإمارات المتحدة، فضلا عن السلطة الفلسطينية وحكومة اللبنانية.
 
كما تسعى الدبلوماسية الأردنية لضمان تأييد عدد واسع من الدول الإسلامية لاجتماع أنابوليس، وبهدف توفير "شبكة أمان" عربية وإسلامية للمفاوض الفلسطيني، وفي هذا السياق تأتي الاتصالات والزيارات التي أجراها العاهل الأردني مع قادة كل من اندونيسيا وماليزيا وتركيا والباكستان، بهدف حثهم على المشاركة في "مؤتمر الخريف".
 
وتعتقد دوائر صنع القرار في الأردن، بأن نجاح مؤتمر أنابوليس في وضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على سكة الحل النهائي، من شأنه إخراج "الورقة الفلسطينية" من بازار المزايدات السياسية، حيث يجري استخدامها لغايات أخرى وخدمة لمصالح أطراف عدة من إيران وسوريا مرورا بحزب الله والقاعدة، بعيدا عن المصالح الحقيقية للشعب الفلسطيني، وغالبا بالضد من هذه المصالح.
 
وتبدو الدبلوماسية الأردنية على قناعة بأن أوساطا واسعة في الإدارة الأمريكية، وتحديدا في وزارة الخارجية، باتت تشارك الأردن ودول الاعتدال العربي رؤيتها القائلة بوجوب حل القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، بصرف النظر عن الوجهة التي ستسلكها السياسة الأمريكية في العراق، أو النتيجة التي ستنتهي إليها أزمة البرنامج النووي الإيراني والعلاقات بين واشنطن وطهران.
 
وإذ تأخذ دوائر صنع القرار في الأردن بنظر الاعتبار، فرضية أن تكون للولايات المتحدة أجندة خفية كامنة وراء الدعوة لمؤتمر أنابوليس تتعلق بحشد دول عربية وإسلامية خلف الولايات المتحدة في مواجهة إيران مباشرة أو على الساحة العراقية، فإن هذه الدوائر ترى أن أنابوليس فرصة يتعين اغتنامها في مطلق الأحوال، وبصرف النظر عن أية أجندات أخرى.
 
لكل هذه الأسباب، تولي الدبلوماسية الأردنية اهتماما خاصا ومتميزا بمؤتمر أنابوليس، وتسعى من خلال مختلف القنوات لمساعدة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إلى وثيقة مشتركة تكون قاعدة وأساس لانطلاق عجلة التسوية النهائية، كما أنها وللأسباب ذاتها، تعتقد أن فشل المؤتمر في الوصول إلى النتائج المرجوّة منه، سيعزز مكانة حماس في مواجهة عباس في فلسطين، وحزب الله وحلفائها في مواجهة حكومة السنيورة وحلفائها في لبنان، كما أنه سيعزز مكانة إيران ومحورها في المنطقة، وسيقوي نفوذ قوى التطرف والغلو الإرهاب ويمدها بذرائع جديدة لمواصلة نشاطها وكسب تأييد وتعاطف الرأي العام العربي والإسلامي المحبط والغاضب.
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=550