2015-03-07
نظمت مؤسسة كونراد أديناور ومركز القدس للدراسات السياسية يومي 7 و 8 آذار/ مارس 2015 مؤتمراً في بيروت بعنوان "فرص التوافق في سوريا من المصالحات الوطنية الى مبادرة ديمستورا" شاركت فيها شخصيات سورية ممثلة لطيف واسع من قوى المعارضة السياسية والمدنية من داخل سوريا وخارجها، كما شارك في المؤتمر ممثلين عن المكونات (الأقليات) السورية المختلفة، وقد تميز المؤتمر بوجود تمثيل "رفيع المستوى" لمعظم القوى المشاركة فيه، رجالاً ونساء.
المؤتمر انعقد في ظروف سياسية وأمنية بالغة الدقة والتعقيد، حالت دون وصول بعض المشاركين إلى بيروت، وقد تدارس المجتمعون المستجدات التي تحيط بالأزمة السورية من مختلف جوانبها، وأولوا اهتماماً خاصاً ببحث طرق الخروج من المأزق السوري، وفرص بناء توافقات وطنية عريضة، حول أبرز عناوين مرحلة الانتقال السياسي في سوريا، بصورة تحفظ لسوريا وحدتها وسيادتها، وتمكن مختلف مكوناتها من المشاركة في صياغة نظامها السياسي الجديد، من دون تهميش أو إقصاء.
وسيطرت على مناقشات المؤتمر، التطورات المقلقة التي تشهدها بلادهم، والتي تتمثل أساساً في تنامي وانتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة، ونجاحها في السيطرة على مساحات واسعة من سوريا، وتحديداً تنظيمي داعش والنصرة، وغيرهما من الجماعات الجهادية المتطرفة التي لا تختلف عنها من حيث المرجعية والممارسات الوحشية ... ورأوا أن تفاقم هذه الظاهرة يهدد مستقبل سوريا والمنطقة، ويمس بأمن الإقليم والعالم، وتداعوا لبذل كل جهد ممكن من أجل تخليص سوريا من خطر الإرهاب.
كما استأثرت "التدخلات الإقليمية" غير المسبوقة في شؤون سوريا الداخلية، وانتقال الصراع فيما بين العواصم الإقليمية إلى "حروب وكالة" في بلادهم، باهتمام كبير من النقاشات، ورأى معظم المشاركين، أن هذه التدخلات مسؤولة إلى حد كبير، عن استمرار انقسامات المعارضة وتشتتها، وانتشار السلاح والمسلحين، وصعود الحركات الإرهابية المتشددة، التي تستخدم من قبل بعض الأطراف الخارجية، لتحقيق مكاسب على الأرض، بالضد من مصالح السوريين وتطلعاتهم.
وتوقف المناقشات مطولاً أمام حالة "الاستعصاء" التي تعيشها محاولات التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وإذ رحبوا بجهود الموفد الدولي ستيفان ديمستورا، إلا أنهم عبروا عن كثير من الشكوك في فرص نجاحها، وعزوا ذلك إلى أسباب عديدة، من بينها أن النظام السوري، لم يبد حتى اللحظة، أي استعداد جدي للانخراط في عملية سياسية انتقالية "ذات مغزى"، وأن محاولات توحيد المعارضة ولملمة صفوفها، باءت جميعها بالفشل بسبب تضارب الأجندات والمصالح الإقليمية التي تقف خلف كل فريق منها، فضلاً عن نجاح الحركات الجهادية المتطرفة، في بسط سيطرتها على مناطق واسعة من سوريا، وبصورة ألحقت ضرراً كبيراً بقوى المعارضة المعتدلة.
ولاحظ المشاركون أن القوى النافذة على الأرض، لا تؤمن بالعملية السياسية، سواء النظام أو الحركات الجهادية وحلفائها، فيما القوى السياسية المعتدلة التي تطالب بحل سياسي للأزمة السورية، لا تمتلك التأثير الكافي لإحداث تغيير في مجرى الأحداث والتطورات الميدانية، الأمر الذي يجعل مهمة التوصل إلى أية تسويات، أو حتى مبادرات للتهدئة ووقف النار، كمبادرة "حلب اولاً" التي أطلقها الموفد الدولي، أمراً صعباً للغاية.
وخلال مداولات المؤتمر التي استمرت ليومين، جرى استعراض الواقع المؤلم الذي تعيشه بعض المكونات (الأقليات) السورية، حيث عرض ممثلون عن الطوائف المسيحية والدرزية والحركات الكردية، صورة صعبة للأحداث التي تمر بها مجتمعاتهم ومناطقهم، كما جرى التوقف أمام عمليات الاستهداف للقرى العلوية في المناطق المتاخمة لسيطرة الجماعات الجهادية، والمجازر التي يجري اقترافها أو التهديد بها، لكن المشاركين تابعوا باهتمام وترحيب التقدم الذي تحرزه وحدات حماية الشعب الكردي في مناطق شمال سوريا، ونجاحات الأكراد في بناء "إدارة ذاتية" لتنظيم شؤونهم، والتعاون بينهم وبين فصائل المعارضة السورية المعتدلة، محذرين من مخاطر وقوع أية أعمال من شأنها أن تضرب "العيش المشترك" لأبناء هذه المناطق من عرب وكرد وتركمان وسريان، مسلمين ومسيحيين وغيرهم من أبناء المكونات السورية العديدة.
وبخلاف الاجتماعات السابقة للمعارضات السورية، فقد اتسمت مداولات المؤتمر بالهدوء والموضوعية، حيث غابت عنه "الاعتراضات المتبادلة" على وجود بعض المشاركين أو عدم وجود مشاركين آخرين، كما تميزت النقاشات بتواضع "سقف المطالب والتوقعات" ما يدل على أن التأثير الذي أحدثته سنوات أربع من حرب الاستنزاف والإنهاك المتبادل، فبدا أن معظم المشاركين، باتوا ميّالين لحلول سياسية، توقف الحرب والقتل والدمار، باعتباره أولوية أولى، لا يتقدمها أي هدف آخر.
كما تميزت المداولات في المؤتمر، بتراجع "الرهانات" و"الأوهام" على فرص "الحسم العسكري" أو "التدخل الدولي"، وضعف الثقة بأدوار القوى الإقليمية والعربية الفاعلة في الأزمة السورية، حيث بدأت أطراف متزايدة من المعارضة، تدرك أكثر من أي وقت مضى، أن مصالح هذه القوى، هي التي تحركها وتقرر مواقفها، وأن هذه المصالح لا تلتقي دائماً مع مصالح الشعب السوري وتطلعاته، بل وغالباً ما تكون على النقيض من ذلك.
المؤتمر الذي جاء انعقاده بين مؤتمري موسكو والقاهرة للمعارضة السورية (مؤتمر موسكو بمشاركة وفد من النظام)، توقف مطولاً أمام النتائج والتوقعات من المؤتمرين، سيما وأن عدد من المشاركين في مؤتمر بيروت، كانوا مشاركين أيضاً في المؤتمرين المذكورين ... فقد اتضح بنتيجة المناقشات، أن مؤتمر موسكو، لم يسجل أي تقدم جدي في الحوار مع النظام، وأن الأطراف تذهب إلى موسكو لكيلا تتحمل مسؤولية إفشال المبادرة الروسية، أما مؤتمر القاهرة الذي كان سيعقد بعد أسابيع قليلة، فقد انعقدت عليه رهانات كثيرة لجهة توحيد أكبر عدد من فصائل المعارضة وقواها، والخروج بوثيقة سياسية "واقعية" تمهد لعملية سياسية جدية، تضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي.
ويمكن إيجاز أهم الخلاصات والتوجهات التي خرج بها المؤتمر على النحو التالي: