A+ A-
هل جاء بروز حزب الله على حساب سوريا؟

2007-10-20

بقلم:روبرت جي. رابيل
ترجمة مركز القدس للدراسات السياسية

وكيل مفيد إلى الأهدافِ الإقليميةِ بشكل أكبر. اليوم، على أية حال، موقع حزب اللهِ تَغيّرَ. قوّة طهران المُتزايدة متناظرةُ بضعفِ دمشق الإقليمي. كهيمنة سورية علنية على لبنان تَبْهتُ وحزب الله يَزِيدُ دورَه الإقليميَ بدون إعتبار للحكومةِ اللبنانيةِ، طبيعة علاقاتِ حزب اللهِ إلى سوريا تَغيّرتْ. نَمتْ المجموعةُ أكثر مِنْ علاقتِها المتذلّلةِ إلى دمشق. حزب الله لَمْ يَعُدْ الشريكَ الأصغرَ في المحورِ.

خلفية تاريخية:تعود جذورُ حزب اللهِ إلى موجة احياء الشيعة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبصورة مباشرة أكبر إلى عودة رجال الدين الشيعي الذين درسوا في النجف الأشرف تحت إشراف آية الله روح الله الخميني قائد الثورة الإسلامية في ايران. وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982، ارتأت القدس آنذاك ان تضع حكومة لبنانية تكون صديقة لاسرائيل. وفي نفس الوقت بحثت دمشق وطهران عن ايجاد أطراف اخرى مؤيدة لها لتقويض الحكومة اللبنانية الجديد ة المدعومة اسرائليا. وفي هذا السياق قدمت ايران اجندتها الثورية، وفي 1982 قام الناشط السياسي الشيعي حسين الموسوي بالانشقاق عن حركة أمل والتي كانت في ذلك الحين الحركة السياسية الرئيسية للطائفة الشيعية، وانضم الموسوي الى مجموعة من رجال الدين المتشددين في الطائفة الشيعية لتشكيل حزب الله.

وتبنت طهران المجموعة الجديدة وقامت بتمويلها بل بعثت بمجموعات من الحرس الثوري الإيراني لأهداف تدريب هذه المجموعة الجديدة كما نالت هذه الحركة دعم الرئيس السوري حافظ الأسد حيث وافق مع القيادة الايرانية بايجاد أطار استراتيجي ينظم ويحكم علاقة القيادتين الايرانية والسورية بالتنظيم الجديد: حيث تقوم ايران بتنظيم حزب الله وتمويله وتزويده بالأسلحة، وتقوم دمشق بالإشراف على عمليات الحزب ضد القوات الإسرائيلية وذلك كي تضمن ان لا تعرض عمليات حزب الله الجيش السوري لخطر المجابهة العسكرية مع إسرائيل، بالإضافة إلى تخصيص سهل البقاع اللبناني مكانا للحرس الثوري الايراني لإنشاء معسكرات التدريب، كما تقوم سوريا بتأمين خط الإمدادات وتقديم الخدمات اللوجستية.

وفي عدد مِنْ الهجمات الإرهابية خلال حقبة الثمانيناتِ من القرن الماضي، أثبتَ حزب اللهَ قدرته وخطورتِه. ومع ذلك لم يكن دعم الإسد لإرهاب حزب الله دون شروط فقد كان من المنتظر والمتوقع أن تبقي سوريا على سياسة تضييق الخناق على الحزب، وعندما قام حزب الله في 19 تموز 1982 وبتعليمات من إيران وبدون معرفة سوريا بإختطاف ديفيد دودج رئيس الجامعة الامريكية في بيروت بالوكالة أعرب الأسد عن غضبه وهدد بطرد عناصر الحرس الثوري الإيراني من لبنان. وفي الرابع عشر من حزيران 1985 اختلفت طهران ودمشق حول تهديد حزب الله بإعدام ركاب الطائرة المختطفة تي دبل يو 847 والجاثمة على مدرج مطاربيروت الدولي، وفي السابع عشر من حزيران 1987 قامت القوات السورية بضرب أعضاء حزب الله لاختطافهم تشارلز جلاس مراسل اي بي سي بالقرب من نقطة تفتيش سورية، وفي وقت لاحق من نفس السنة أردت القوات السورية 27 مقاتلا من حزب الله بعد أن رفضوا إطاعة امر ضابط سوري بازالة نقطة تفتيش غرب بيروت.والاشتباكات في السنة التالية بين حزب الله وحركة أمل عكست مدى التوتر القائم بين دمشق وطهران، ولا يزال يعتبر مثل هذا التوتر هو الإستثناء وليس المعيار لطبيعة العلاقة بين الدولتين، وكان هناك سعي دائم لتطوير وحل الخلافات وتحسين علاقة العمل بينهما، وبدا الإسد يرى حزب الله ليس "كحركة مقاومة" فقط ولكن كحركة سياسية لبنانية قوية.

تَحَوُّل حزب الله:
في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 1989، التقى النواب اللبنانيون في المملكة العربية السعودية ووقعوا إتفاقية الطائف بوساطة سورية ومشاركة دبلوماسية سعودية وجزائرية والتي انهت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاما.
وقد حددت الإتفاقية " العلاقة الخاصّة " التي تربط سوريا بلبنان, وتم بعد ذلك دمج الوصاية من خلال معاهدة الأخوة، والتعاون والتنسيق، وفي الأول من سبتمبر/ ايلول 1991 تم توقيع الإتفاق الدفاعي والامني بين الحكومتين السورية واللبنانية.
وفي الواقع مارست الحكومة السورية المزيد من الهيمنة الرسمية على لبنان، ولقد ادرك رجال الدين في حزب الله مثل أمينه العام حسن نصر الله ورئيس المجلس السياسي للحزب أمين السيد الحاجة الى تعديل أيدولوجية الحزب بما يتوافق مع ظروف لبنان المتغيرة، وبالرغم من ذلك بقيت مهمة الحزب " اسلمة لبنان " الهدف الرئيسي والمركزي لحزبهم وقد أصبحت هذه المهمة هدفا طويل الامد. وفي المدى القريب سعى حزب الله لأن يكون حزبا سياسيا رئيسيا في لبنان. وفي نفس الوقت، ارادت دمشق إستخدام حزب اللهِ للضَغْط على إسرائيل لإستعادة مرتفعاتِ الجولان ولتَقويض جهود تطور حركة المعارضة في لبنان.

إن مثل هذه الأهدافِ كَانتْ صعبة لتحقيق التسوية. إذ كَيْفَ يمكن لسوريا ان تَبْني مؤسساتَ لبنان الرسمية وفي نفس الوقت تقوم بدعم دور حزب الله العسكري ؟ وقام الرئيس الأسد بوضع الاسس والقواعد التي تحكم بين الدولة، والقوى السياسية اللبنانية وحزب الله بإشراف رئيس الإستخبارت السورية في لبنان:

1. يتم تعيين الموظفون اللبنانيون الموالون لسوريا في مؤسسات الدولة الرسمية والجيش.
2. تقوم رئاسة الوزراء بإستبعاد المسؤولين المعادين لسوريا، مع إحتفاظ سوريا بقوة نقض فعالة على الحقائب الحكومية الحسّاسةِ مثل وزاراتِ الداخلِية، والدفاع، والشؤون الخارجية.
3. يقوم رئيس الإستخبارات السورية في لبنان بالإشراف على الإنتخابات وتقسيم المحافظات لوحدات سياسية للسيطرة عليها.
4. يكون حزب الله في مركز القيادة للعمليات العسكرية ضد اسرائيل مع تمتعه بدعم سياسي ضمني من قبل الحكومةِ اللبنانيةِ.
5. وما لم تصادق عليها دمشق فإن عمليات حزب الله ستكون محصورة " بالمنطقة الامنية " الواقعة تحت الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
6. لا يمكن لحزب الله ولا للدولة من إستخدام القوة أحدهم ضد الآخر بوجود دمشق كوسيط لحل النزاعات بين الطرفين.
7. يمكن للأحزاب السياسية اللبنانية من متابعة أهدافها طالما هذه الأهداف لا تتعارض مع السياساتِ السوريةِ.
8. وفي ظل غياب الموافقة السورية لا يمكن لأي حزب سياسي من إستخدام قوى خارجية لتحقيق أجندته السياسية.
9. وفي الوقت الذي تشرف فيه دمشق على عملياتِ حزب اللهِ ضدّ إسرائيل، يمكن للحزب الله أَنْ يُقرّرَ التوقيت لعملياته ضد إسرائيل ضمن ا'طر محددة من قبل دمشق.
10. يمكن لحزب الله في اطار دوره المقاوم الإستفادة من الدعم والمساعدات المالية التي تقدمها طهران لتطوير أجندته السياسية ولكن دون ان يقوم بذلك على حساب الأطراف السياسية الموالية لسوريا مثل حركة أمل.

ومن خلال أجهزته الأمنية عزز الأسد سبل فرض تلك القواعد، فعلى سبيل المثال قام غازي كنعان رئيس جهاز الإستخبارت السورية في لبنان بالإشراف المباشر على الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1992 وكذلك التي جرت في 1996. وقامت الحكومة اللبنانية بتبني الخط السوري وسجنت ونفت بالإضافة إلى تصفية شخصيات المعارضة الرئيسية. وشهد عام 2000 مرحلة جديدة في العلاقةِ ما بين حزب اللهَ وسوريا. فبعد إلانسحابُ الإسرائيلي الأحادي الجانب مِنْ جنوب لبنان فقد الوجود السوري في لبنان شرعيته. ومن خلال التشجيعِ السوريِ، مارس حزب الله إدعاءاته بالسيادةِ اللبنانيةِ على مزارع شبعةِ الجبليةِ.

وفي العاشر من يونيو/حزيران 2000، مات حافظ الأسد ليتسلم السلطة من بعده إبنه بشّار. الذي ارتأى أيضا متابعة الاسس التي تَحْكمُ علاقةَ سوريا مَع لبنان وحزب الله، وقام بتحسين وضع وقوَّةَ حزب اللهِ السياسيةِ لَيستْ فقط عبر الإستقبال الودي والدافئ لحسن نصر الله في دمشق ولكن أيضاً عبر تزويد حزب اللهِ بالأسلحةِ المتطوّرةِ جداً. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقارب بين دمشق وحزب الله قد شهد تسارعا ملحوظا بعد ان بدأت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية في العراق في آذار 2003. وتحدث الأسد في هذا السياق عن " تمنيه بفشل الخطة العسكرية الامريكية في العراق " واضاف وزير الخارجية السوري فاروق الشرع متحدثا أمام البرلمان السوري حول " المصلحة الوطنية السورية في طرد المحتلين من العراق". وهكذا غضت سوريا النظر عن تسرب العناصر الجهادية من خلال سوريا الى العراق.

وبعد أن تدهورت العلاقات بين دمشق والولايات المتّحدة قامت إدارة الرئيس بوش في الثالث من مايو/مايس 2003 بإرسال وزير الخارجية كولن باول الى دمشق للطلب من الحكومة السورية بإغلاق مكاتب المنظمات الإرهابية على اراضيها وتفكيك جماعات حزب الله المسلحة في لبنان ودعم إنتشار سلطة الجيش اللبناني لتشمل كافة أرجاء الاراضي اللبنانية وعلى وجه التحديد الجنوب اللبناني. وفي الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول 2003، وبناء على إعتراضاتِ وزارة الخارجيةِ، أصدر الكونجرس الأمريكي قانون محاسبة سوربا وإستعادة السيادة اللبنانية ودعا القانون الجديد سوريا " الى إيقاف الدعمِ السوريِ للإرهابِ، وانهاء إحتلالَها للبنان، ووقف برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل ".وبرعاية الحكومة الفرنسية نجح مجلس الأمن التابع للامم المتحدةِ بإتخاذ القرار ذو الرقم 1559 الذي وضع لبنان على المسرح الدولي وطالب سوريا بالإنسحاب من لبنان ونزع اسلحة حزب الله.

وقد دفعت هذه الأحداث وشجعت العديد من اللبنانيين للمطالبة بإسترداد بلادهم من الإحتلال السوري. بينما سعت دمشق الى تمديد الفترة الرئاسية للرئيس اللبناني اميل لحود الموالي لسوريا وعجلت من تسليم الأسلحة الأيرانية المتطورة لحزب الله، في الوقت الذي قام فيه رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط بتحشيد السياسيين المعادين لسورياِ.

ولم يقف النظام السوري صامتا أمام هذه الإجراءات بل سعى لمقاومتها، فطبقا لشكوك العديد من الدول ومحققي الامم المتحدة الذين تشكلوا إثر إغتيال الحريري في الرابع عشر من شباط 2005 والذي أشعل موجة من الإحتجاجات الشعبية والتي عرفت بثورة الأرز، وقد شهدت الشهور التالية لعملية الإغتيال العديد من التفجيرات والإغتيالات، ولكن وفي ظل الضغط الدولي قامت القوات السورية في السادس والعشرين من ابريل/ نيسان 2005 بالإنسحاب رسميا من لبنان.

ولكن لا تزال دمشق تستخدم مؤسسات لبنان الرسمية في تأمين ومنح الغطاء السياسي لحزب الله الذي وقف معارضا لثورة الأرز، وأشرف على الأجهزة الأمنية اللبنانية ووجهها لتقديم الدعم اللوجستي لتسليح حزب الله، حيث قام رؤساء هذه الأجهزة الموالين لسوريا بتأمين طرق آمنة لشحن الأسلحة برا وجوا، والذين تدخلوا للتعامل مع الحالات الطارئة مثل اللواء جميل السيد المدير العام لجهاز أمن الدولة، والجنرال إدوارد منصور المدير العام لجهاز أمن الدولة، والجنرال علي الحاج رئيس قوات الأمن الداخلي، واللواء ريموند عازار قائد الإستخبارات العسكرية، واللواء مصطفى حمدان قائد لواء الحرس الرئاسي والعقيد غسان طفيلي قائد جهاز التنصت في الإستخبارات العسكرية، ولم تقتصر سوريا على إعادة تسليح حزب الله بل قامت أيضا بتسليح الجماعات الفلسطينية في لبنان مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وفتح الإنتفاضة التابعة لأبو موسى وذلك بالتزامن مع النقاش اللبناني حول نزع أسلحة هذه المنظمات.

وربما كان أمل المسؤولين السوريين من وراء حملة العنف والتخويف التي قادوها إظهار ان دمشق وحدها فقط من تستطيع ان تمنع إنزلاق لبنان نحو الفوضى. وقد كان للاعمال السورية دورا في قطع الحوار الوطني اللبناني وتقويض الحجة في ضرورة نزع سلاح حزب الله. وفي الثامن والعشرين من مايو/أيار 2006 قامت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بتنفيذ غارات جوية ضد القواعد الإرهابيةِ الفلسطينيّةِ في لبنان في رد انتقامي منها على الهجمات الصاروخية على حدودِها الشماليةِ. ورَدَّ لحّود مشيدا" بمقاومةِ " حزب اللهِ وإنتقدَ القوى السياسية التي تدعو إلى نزعِ سلاح الحزب.

علاقة جديدة لحقيقة جديدة:ومع إزدياد الضغط الدولي على كل من النظام السوري وحزب الله ، قام الطرفان بتخفيض علاقاتهم. فالعلاقة الودية بين الطرفين قد تحولت إلى علاقة شبه إستراتيجية اي ان حزب الله لم يعد ذلك الشريك الصغير. ومع ذلك يمكن لدمشق ان تعتمد على وجود الضباط في المؤسسات اللبنانية والقوات والأحزاب الموالية لسوريا، إن إنسحاب الجيش السوري من لبنان وتعزيز المعارضة الوطنية اللبنانية في البرلمان للوجود السوري قد قوضا من المكانة السورية، وبهذا فإن دمشق اصبحت بحاجة لحزب الله لإستعادة دورها " التاريخي " في لبنان. وفي الوقت الذي تستطيع فيه المخابرات السورية ان تقوم بتنشيط حلفائها الفلسطينيين الموجودين داخل لبنان إلا ان الأطراف الفلسطينية ليست لديها إرتباطات عضوية بالمجتمع اللبناني، فحزب الله وحده فقط الذي يمكن ان يكون حصان طروادة ويعيد سوريا الى لبنان.

وإقترنت عودة الأسد للإلتزام بإيران بإرتباطه المتزايد مع حزب الله. ففي السادس والعشرين من فبراير/شباط 2004 قامت الحكومتان السورية والإيرانية بتوقيع " مذكرة تفاهم " لرسم معالم التعاون الدفاعي بين البلدين وتنظيم الإلتزام الايراني بالدفاع عن سوريا في حالة الهجوم عليها من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. وفي زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لسوريا في كانون الثاني 2006 تم التأكيد على هذه العلاقة بصورة أكبر، وفي يونيو/ حزيران 2006 قامت الدولتان بتوقيع معاهدة دفاعية، واستمرت طهران ودمشق بالإرتفاع بمستوى العلاقة بين الدولتين حيث قامتا بالتوقيع أيضا على برتوكول دفاعي تم فيه تحديد نظرتهم المشتركة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل حيث شكل حزب الله الأداة المشتركة لهذه النظرة.

لكن بينما النظام السوري يَرى كفاحَه على انه كفاح من أجل البقاءِ، فان القيادة الإيرانية تميل نحو الهيمنةَ الإقليميةَ، ودمشق في هذا الاطار تشكل مسمارُ العجلة في محورِ حزب اللهِ وإيران وسوريا. إن موقع سوريا يسمح لإيران بالتمدد نحو الشرق، بالإضافة إلى تزويد القوميين العرب الغطاء للطموحات الإقليمية الإيرانية، ولكن سوريا تعتبر الشريك الأصغر في التحالف، وفي حديث لنائبِ الرئيس السوريِ السابقِ عبد الحليم خدَّام قال: " إن بشّار الأسد لَيسَ الحليف الإستراتيجي لإيران لكنه فقط ألاداة إلاستراتيجية ". ومع مغادرة القوات السورية للبنان فانها بذلك فقدت قوة الضغط على حزب الله وبعض التنظيمات الفلسطينية العاملة هناك.

ودون شك فما تزال العلاقة بين حزب الله وسوريا تتمتع بالكثير من الأهمية فالحزب يمكن ان يشكل أداة ضغط سورية على حكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة. واستطاع حزب الله عرقلة تعيين بعض المسؤولين اللبنانيين من المعسكر المعادي لسوريا في بعض المواقع الحساسة كما تمكن أيضا من كسر وحدة قوات ثورة الأرز، كما ان لدى حزب الله مجالا مهما في ظل وجود بعض اللبنانيين الممتنعين عن مواجهة مطالب الحزب خوفا من تجدد الحرب الأهلية والطائفية التي دفع لبنان ثمنا باهظا لها بلغ 150 ألف شخص خلال الفترة الممتدة من 1975- 1990.

وفي هذا السياق إندلعت حرب 2006 الصيفية. ومع الأخذ بعين الإعتبار تاريخ العلاقة بين حزب الله وسوريا والنشاطات التخريبية التي يزعم ان سوريا قد نظمتها في لبنان فمن المحتمل جدا ان كبار المسؤولين السوريين قد عرفوا مقدما بعملية حزب الله الحدودية مع إسرائيل التي كانت سببا في إثارة الازمة الاخيرة. وفي نفس الوقت من المعقول أيضا ان حزب الله قد نفذ العملية كي يغير مسار النقد المحلي اللبناني المتزايد لأسلحته ولإبراز الحاجة إلى ضرورة بقاء الحزب كحركة مقاومة شعبية للدفاع عن لبنان، علما ان هذين التفسيران لا يتعارضان.

وفي أعقاب حربِ 2006 الصيفية، إستطاع حزب اللهَ من تدعيم موقعِه. كما إن قدرته على شن الحرب من طرف واحد قد قوضت من مركز حكومة فؤاد السنيورة وكما فعلت الأزمة السياسية فإن الحرب قد خلقت حالة من التذمر حول تضحية إيران بلبنان خدمة للطموحات والمصالح الشيعية الكبرى. كما ان الحرب قد عملت على تضخيم مكانة حزب الله وبالتالي زيادة التاثير السوري والإيراني في لبنان. وفي مقالة نشرتها صحيفة النهار اللبنانية كتبتها الاستاذة الجامعية اللبنانية منى الفايد سألت فيها " من هو الشيعي في لبنان اليوم ؟" وطرحت بانه شخص ما " يقوم بإرهاب اخوة في الدين ويدفعهم للصمت ويقود الأمة نحو الكارثة دون ان يستشيرهم". وعلى أية حال فإن بعض المسؤولين مثل الزعيم المسيحي ميشيل عون سعى للتحالف مع حزب الله وتبني العديد من مطالب الحزب.

ولم تتردد الحكومة السورية في رُكوب موجةِ النصرِ التي إدعاها حزب اللهِ. وبينما إعلان حسن نصر الله بالإنتصار على إسرائيل قد يكون زائفا وبعيدا عن الحقيقة إذا اخذ بعين الاعتبار حجم التدمير للبنية التحتية اللبنانية وأعضاء حزب الله أنفسهم ، وقد أعلن نصر الله بنفسه " لو كنت أعرف مدى الرد الإسرائيلي ما كنا سنختطف الجنديان "، ويستطيع الحزب ان يطرح ليس فقط فشل الحكومة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها بل أصبح حزب الله " الجيش " العربي الوحيد منذ عام 1948 الذي استطاع ان يهاجم مدينة حيفا.

ومن الجدير بالذكر إعتناق الأسد لإستراتيجية حزب الله الجديدة وجاء ذلك واضحا في خطابه في الخامس عشر من أغسطس/آبِ 2006 أمام اتحاد الصحفيين السوريين في دمشق حيث دعم المقاومة العربية كنموذج جديد للكفاح القومي العربي ضد إسرائيل الضعيفة، كما انه إنتقد الزعماء العرب واصفا إياهم " بأنصاف الرجال " الذين جلبوا الذل للعالم العربي، وأشاد بانجازات حزب الله من خلال إعادة التأكيد على الدعم السوري " لشرعية الدور المركزي للمقاومة كبديل فعال لحل النزاع عندما تفشل مفاوضات السلام. والقيادة السورية والتي لغاية 2006 كانت تسعى للإبقاء على شكل من أشكال التوازن في علاقتها مع إيران والدول العربية اختارت لأن تلقي المزيد من ثقلها بإتجاه إيران.

ومهما كان مظهر الوحدة الوطنية في لبنان أثناء الأزمة الصيفية فقد تبددت مع نهاية الأزمة وأصبحت الساحة اللبنانية مسرحا للإتهامات والإتهامات المضادة والتي باتت تميز السياسية اللبنانية. وفي قلب هذا المناخ السياسي كان هناك صدام حول محاولة الحكومة في بيروت وحلفاؤها المتمثلة " بثورة الارز " لتطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإنشاء المحكمة الدولية والإستعداد أيضا للإنتخابات الرئاسية والتي يمكن ان تخلق مواجهة سواء كان رئيس الدولة من الموالين لسوريا ام لا، وفي الحد الادنى يسعى حزب الله لإستخدام الفيتو تجاه قرارات الحكومة تحت ذريعة الوحدة الوطنية، وفي الحد الأقصى يرغب حزب الله يرغب الحزب بأنهيار حكومة السنيورة، وفي هذا الإطار دعا حسن نصر الله في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني 2006 في خطاب مهم له دعا نصر الله إلى تنظيم إحتجاج جماعي والجلوس في بيروت لإسقاط حكومة السنيورة، وهو فعل رآه الكثير من الناشطين اللبنانيين الوطنيين والذين وصفوا الوضع على انه " محاولة انقلاب سورية " وإستمرار الإشتباكات المتقطعه.

وبينما لا تبدو نتيجة الصراع بين القوى الموالية والمعادية لسوريا في لبنان غير واضحة فإن هذا الصراع نفسه يعكس الوضع الضعيف والباهت لسوريا في محور حزب الله وإيران وسوريا. ففي الثامن من شباط 2007 قامت السلطات اللبنانية بإحتجاز شاحنة محملة بالأسلحة لحزب الله في إنتهاك واضح لقرار مجلس الامن الدولي 1701. وقد أكد حزب الله إن الأسلحة تعود له ولكنه كرر أيضا حقه في القتال لتحرير " بقية المناطق المحتلة "، ولقد كان هذا موقف الحكومة اللبنانية قبل ان تؤيد قرار مجلس الامن 1701، ومع جرأة الحكومة اللبنانية لمواجهة المصالح السورية إلا ان وضع حزب الله يبقى آمنا، ونظرا إلى زيادة سياسة الاستقطاب في المجتمع اللبناني فإن حزب الله أصبح محصنا ضد تقديم التنازلات أو التسوية.

وبدلا من ذلك تحركت السلطات اللبنانية لمُوَاجَهَة أحد الأطراف الاخرى المؤيدة لسوريا. ففي الثالث عشر من فبراير/شباط 2007، قام الإرهابيون بقصف حافلتين للمسافرين في عين العلق وهي بلدة مسيحية تقع إلى الشمال من بيروت حيث قتل في هذا القصف 3 اشخاص وجرح 20. واعتقلت السلطات اللبنانية ثلاثة من السوريين الذين اعترفوا بإنتمائهم إلى منظمة جهادية جديدة تدعى فتح الإسلام واتهمتهم بتنفيذ القصف، وفي شهري آيار وحزيران 2007 أصبحت هذه الحركة النقطة المركزية لإنتفاضة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، وعلى الرغم من التهديدات من حزب الله إلا ان الحكومة اللبنانية واصلت الجهود الرامية لتشكيل المحكمة الدولية لتحميل المسؤولين السوريين مسؤولية إغتيال رفيق الحريري. ولربما كان حزب الله في وقت من الأوقات وبصورة جزئية بديلا عن سوريا أو وكيلا لمصالحها في لبنان ولكنه لم يعد الطرف الأضعف في هذا المحور ولكن سوريا هي كذلك. وبينما لا يعني ذلك اي شكل من أشكال السيادة إلا إن تبني حزب الله للقومية اللبنانية قد عزز من قيمة الحزب على حساب سوريا. وفي كلمته أمام البرلمان مخاطبا أعضاء البرلمان المتعاطفون مع السنيورة ولمطالبه حول المسؤولية السورية شار النائب في البرلمان عن حزب الله علي عمار الى قضية ان " تسبق سيادة لبنان سيادة المؤسسات الدولية "، ولقد أصبح إعتراض حزب الله العائق الأكثر جدية لتشكيل المحكمة الدولية وبصورة أكبر من الشكاوى السورية.

الأنماط والتوقّعات:
وبينما يبدو ان حزب الله يعمل لحماية مصالح النظام السوري في لبنان، فإن تحليلا أعمق لهذه القضية يبرز ويبين ان الأعمال التي يقوم بها حزب الله تتجاوز المصالح السورية وإسقاط حكومة بيروت، فقد سارع حزب الله وصعد من سياسة حافة الهاوية وبصورة أبعد بكثير من المطلوب لمواجهة سياسة الحكومة.

وحزب الله على سبيل المثال قد قام بتغيير موقفه حيال العديد من القضايا الوطنية الحساسة، فهو ينكر انه ساند خطة السنيورة ذات السبع نقاط لوضع حد للإعتداءات بينه وبين وبين القدس في آب 2006. وقد حاول منع الحكومة اللبنانية من وضع مزارع شبعا تحت وصاية الامم المتحدة القضائية في حال الإنسحاب الإسرائيلي منها. وبعد الفشل في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني 2007 وسحق محاولته وإيقافه لنقل سلطته على كافة أرجاء الأراضي اللبنانية، وقد أسقط حزب الله مطالبته بان تكون حصة المعارضة الموالية لسوريا 11 وزيرا مما يمنحها سلطة نقض فعالة لقرارات الحكومة. وهذه ليست علامة جيدة: وبدلاً مِنْ المساومة مع حكومةِ السنيورة، فإن حزب الله يتربص ويراقب من موقعه مع إتخاذه لموقف تجنب التعاون وبدلا من ذلك يسعى للسيطرة على البلاد وتحويل شخصيته السياسية كنموذج آخر للدولة الإيرانية الاصولية. وفي خطابه في الثامن من إبريل/نيسانِ 2007 تساءل حسن نصر الله في خطابه ساخرا فيما إذا سيعطي قوات الأغلبية الحكومية إلا إن ثلث مقاعد الوزارة في الإنتخابات القادمة وهذا يدلل على طموحه للسيطرة على لبنان.

ولتحقيق هذا الإنجاز دعا حزب الله وحلفائه إلى إجراءات أكثر " ديمقراطية " والتي حسب إعتقادهم ستدفع بالحزب نحو السلطة وتتمثل بالإجراءات التالية:إجراء إنتخابات وطنية مبكرة، وإنتخابات رئاسية مباشرة، والسياسة من خلال الإستفتاء، وحسب مطالبة الشيعة بالتعدد فإن حزب الله يعتقد إن مثل هذه الإجراءات يمكن ان تترجم الى سلطة غير قابلة للنقض، وفي نفس الوقت ربط هذه المجموعة بين سعيها لمثل هذه الاصلاحات مع إعتمادها التقليدي على الإجراءات العسكرية. وفي تصريح لنعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله قال متفاخرا بان الحزب قد تمكن " من إعادة بناء دفاعاته بطريقة تمكنه من الرد على أي عدوان اسرائيلي جديد". ويعتقد حزب الله من خلال إبقاء لبنان في حالة تدفق سياسي واجتماعي وعسكري يمكنه ان يقلل تدريجيا من سلطة الأغلبية.

وفي ضوء هذه الخلفية، يصبح من الصعب تصور ان دمشق تقف وراء التحدي السياسي الذي يمثله حزب الله، وهذ لا يقال لإنكار ان دمشق تستطيع تشغيل عملائها في لبنان لإحداث المزيد من الخراب. ولكن الحقيقة تقول ان دمشق بالمقارنة مع الثمانيناتِ والتسعينياتِ لَمْ تعد تستطيع مُجَاراة قدرتُها لإيقاْع الضررِ في لبنان وقدرتها على إجبار الأطراف الرئيسية في البلاد (خصوصاً حزب الله) على المصالحة كما عملت في 1989 عندما ساعدتْ في التوسط بين الأطراف اللبنانية المختلفة وتحقيق إتفاق الطائف، ان الدور السوري اليوم أقل بكثير عما كان عليه في السابق.

وبالأحرى يمكن القول ان طهران هي التي تنظم وتدعم كل من حزب الله وتحركات الأسد. كما ان الحكومةَ الإيرانيةَ واثقةُ تماما ان إدارة بوشُ تعيش في أزمة عميقة في الشرق الأوسط ولن تكون قادرة على إسْتِعْاَدة قدرتِها "لإدارة" المنطقةِ قَبْلَ أَنْ تنتهي ولاية الرئيس بوش في يناير/كانون الثّاني 2009. ومع تأثيرها الجديد في لبنان تشعر طهران أيضا بالمزيد من الأمان حيث قام عملاء ايران بلبنان بتعزيز وجود دولة داخل الدولة وهي بذلك تكون الجمهورية الأسلامية قد أخذت الدور السابق لدمشق في لبنان وذلك بمثابة إشارة ورسالة لى واشنطن والعواصم العربية بانه لا يمكن ان يكون هناك قرار فيما يتعلق بالأزمة اللبنانية دون التدخل الإيراني.

-المصدر: مجلة الشرق الأوسط الفصلية