A+ A-
ندوة تناقش سؤال العلاقة بين الدين والدولة في ضوء النموذج الأردني

المؤلف: د. محمد ابو رمان

المصدر: صحيفة الغد

التاريخ: 2009-02-01

تباينت آراء ومواقف الحضور من مثقفين وسياسيين حول حدود ترسيم العلاقة بين الدين والدولة عموما، وفي الأردن خصوصا.

جاء ذلك في ندوة عقدها مركز القدس للدراسات، بالتعاون مع دار الندوة في بيت لحم بعنوان "نحو علاقة صحية بين الدين والدولة - الأردن نموذجاً"، في فندق لاند مارك عبر 3 جلسات رئيسة.

وتناولت الجلسة الأولى: سؤال العلاقة بين الدين والدولة في الدستور والتشريعات الأردنية، من خلال ورقة قدمها الزميل إبراهيم غرايبة، وعقب عليها الزميل د. موسى شتيوي.

وناقشت الجلسة الثانية: رؤية الإسلاميين في الأردن للإصلاح: دولة مدنية أم دينية؟ قراءة نقدية، وقدم فيها الدكتوران: ارحيل غرايبة (القيادي الإخواني) وفايز الربيع (أكاديمي إسلامي- حزب الوسط)، وعقب عليها الزميل عريب الرنتاوي (مدير مركز القدس للدراسات).

وتناولت الجلسة الأخيرة: حقوق المرأة بين الدين والتشريعات الدولية، تحدثت فيها الدكتورتان: عبير دبابنة (رئيسة قسم الدراسات الأكاديمية في برنامج دراسات المرأة في الجامعة الأردنية) وابتسام عطيات (أستاذة علم الاجتماع).

والندوة، كما أوضح د. متري الراهب - رئيس مجموعة ديار في الكلمة التي ألقاها عنه القس سامر عازار، ندوات تقيمها دار الندوة بالتعاون مع مؤسسات بحثية أخرى تهدف إلى بحث أعمق لشروط وحيثيات العلاقة بين الدين والدولة.

وبصورة عامة، ابتعدت أوراق العمل، عن الإجابة المباشرة أو التماس مع الأسئلة الجريئة التي طرحها متري الراهب، وجعلها محورا للندوات المتتالية، وأبرزها:

هل الدولة حيادية في الأمور الدينية، أم أنها تحابي، تفرق، تضايق الجماعات الدينية وكيف تنظم العلاقة معها؟

وكذلك، هل ينص الدستور على دين معين للدولة، وماذا بالنسبة لباقي الأديان، هل هنالك انتهاك للحريات الدينية أو اضطهاد ومضايقات للمجموعات الدينية؟

وهل تتدخل الدولة في التشريعات الدينية، هل هنالك قوانين تصون حرية المعتقد بما فيه إمكانية تغيير المعتقد أو الإلحاد؟

ومثلت ورقة غرايبة، أبرز الأوراق التي حاولت استنطاق النموذج الأردني بالعودة إلى نصوص الدستور وظروف تأسيس الإمارة والتشريعات والأنظمة المعمول بها في الدولة.

وأشار غرايبة في ورقته إلى أنّ الدولة الأردنية (1921) تأسست "معتمدة على شرعية دينية مستمدة من قيادة شريف مكة الحسين بن علي "بالرغم من أنها لم تكن دينية بالمفهوم الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية أو باكستان التي قامت على أساس القومية الإسلامية".

ولفت إلى أن الملك المؤسس عبدالله الأول، حرص على بناء توازن واضح ودقيق بين المرجعية الدينية للدولة وإيمانه بالدولة الحديثة والديمقراطية والمبادئ الدستورية في الحكم.

وأوضح أن "فلسفة الدولة لدى الملك عبدالله كانت ملكية حديثة، على غرار الملكيات الأوروبية تستلهم الإسلام والتاريخ مرجعية وإطارا".

ورغم التأكيد السابق على أهمية بناء المملكة الحديثة، إلا أن غرايبة أكد على الدور الأساسي الذي قام به الدين في الدولة الأردنية، من سياسات ومواقف دينية يمكن ملاحظتها في السلوك والمواقف الشخصية للملوك، فضلاً عن الدستور والقوانين والأنظمة والتشريعات، ومناهج التربية والتعليم، والإعلام الرسمي وشبه الرسمي.

وخلص إلى أن "قوانين كثير من الوزارات والمؤسسات، تؤكد على موقع الدين في الحياة العامة ومرجعيته وواجبات الدولة تجاه الدين".

وختم غرايبة ورقته من خلال نقاش معمّق حول واقعية ودلالات الشعار الذي يرفعه الإسلاميون اليوم، ألا وهو الدولة الإسلامية، متسائلاً عن الحدود الفاصلة بين الدولة الإسلامية اليوم وغيرها، مؤكداً على أن الإسلام لم يحدد شكلاً معيناً لنظام الحكم، "والخلاصة أنّ المسلمين يجتهدون في إقامة دولتهم وأنظمتهم السياسية والاقتصادية بما يرون أنه عدل وصلاح وحرية، وينتقون من أنظمة الحكم والانتخاب والإدارة ما يقترب من ذلك، فينجحون أو يفشلون".

وفي تعقيبه على غرايبة، أشار شتيوي الى أنه أبرز "أوراق الاعتماد الدينية للدولة الأردنية"، مشيراً إلى أن العلاقة بين الدين والدولة ليست قضية تخص الأردن، إنما هي موضوع عام لدى كافة المجتمعات والدول.

ولفت إلى بعض المجالات الشائكة والمساحات الرمادية في هذا الموضوع، إذ لاحظ أن كتب التربية الوطنية عندما تتحدث عن مكونات المجتمع الأردني، تعود إلى الحقب التاريخية البعيدة والحضارات المتعاقبة، من دون أن تكون هنالك موضوعات متعلقة بالتكوين المعاصر للمجتمع الأردني.

وخلص شتيوي إلى أن الصيغة الأردنية (في العلاقة بين الدين والدولة) خدمت المجتمع والدولة على مدى العقود السابقة، إلا أن السؤال المطروح اليوم حول ما إذا كانت هذه الصيغة قادرة على نقل المجتمع إلى مرحلة متقدمة متطورة في مختلف المجالات؟

وفي تناول ارحيل غرايبة لرؤية الحركة الإسلامية في الأردن للسلطة والدولة، أكد على أن "الإسلام لم يعرف الدولة الدينية، ولم يكن هناك دولة دينية إسلامية في التاريخ منذ وجد الإسلام. وإنما فكرة الدولة في الإسلام تقوم على أساس مدني، يستند إلى مرجعي قيمي مستمد من الإسلام".

وأضاف أن "الإسلام يرفض فكرة رجال الدين، ويرفض احتكار الوصاية على الدين". ثم تطرق إلى وجوب إقامة الدولة ومفهوم المواطنة والعقد الأحكام التي تخص غير المسلمين، "الذين يعدون "مواطني دولة الإسلام بالعهد".

وأشار إلى أن عهد المواطنين غير المسلمين يقوم مقام "الجنسية" في الدولة الحديثة، لأن الآثار المترتبة على هذا العهد تتساوى مع المواطن المسلم تماماً".

ثم استعرض قواعد الحكم في الإسلام: السلطة للأمة، الشورى، العدل، المساواة. وعدد وظائف الدولة الإسلامية من كونها كونية عامة، إنسانية، إيمانية عقلية فكرية، علمية، أخلاقية قيمية، ودولية عامة.

وتوافق الربيع مع تصور ارحيل غرايبة حول طبيعة الدولة الإسلامية، وقدم مراجعة لمفهوم الدولة، ومفهوم الدولة المدنية والدولة الدينية في الخبرة الغربية، وأخيراً طرح تصوره للرؤية الإسلامية.

وخلص الربيع إلى أن الدولة الإسلامية مدنية بمرجعية إسلامية، إذ إن "العلاقة بين الدين والسياسة، ليست هي الفصل المطلق ولا التماهي المطلق، فالدين حاضر في السياسة كوجه وروح داحضة وقوة للأمة جامعة، لكن الممارسة السياسية، بشرية نسبية قابلة للخطأ ولا ينبغي إضفاء طابع القداسة عليها".

ورفض الربيع "اختزال الشريعة في نظام العقوبات"، مبينا أن الوسطية في فهم الإسلام ليست "وسطية تلفيقية أو أنصاف حلول، إنما منهج فكري وموقف أخلاقي ينبذ العنف والغلو من جهة، والانحلال والتطرف من جهة أخرى".

ثم بين الربيع أن الإسلام لم يجعل الدولة أصلاً من أصوله الاعتقادية ولا من أركانه، فالغزالي يقول إن نظرية الإمامة من الفرعيات.

وأشار الربيع إلى أن ربط النظام السياسي بمفهوم الخلافة، لا يعني أن هذا اللفظ هو نص مقدس، إنه رؤية بشرية لمؤسسة حكم بعد وفاة الرسول.

وعقب الزميل عريب الرنتاوي على أوراق العمل، مشيرا إلى تعدد الممارسات الإسلامية في الحكم، لضرورة إيجاد الضمانات الكفيلة بإزالة المساحات الرمادية في خطاب الإسلاميين.

ثم أنهت الجلسة الثالثة والأخيرة النقاشات بحديث دبابنة وعطيات عن حقوق المرأة بين الدين والتشريعات والمواثيق الدولية.