A+ A-
رايس في المنطقة ... اللقاء الثلاثي والاجتماع الأمني ولقاء الرباعية في برلين
2007-03-23
أنهت الوزيرة كوندوليزا رايس جولة في المنطقة، تنقلت خلالها بين القدس ورام الله وعمان، وبين السياسة والأمن، فما الذي حصل وكيف جاءت النتائج:

قبل الزيارة:
كان من الواضح أن سياق الإستراتيجية الأمريكية منذ فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية في يناير 2006، يتجه نحو عزل حماس وإقصائها وإغلاق أبواب الحوار معها وفرض الحصار على حكومتها.
كان من الواضح أيضا، أن واشنطن قد قررت تبني استراتيجية دعم أبو مازن والرئاسة والسلطة وحركة فتح، بالمال والسلاح ومعسكرات التدريب، وذلك من أجل خلق قوة متفوقة على حماس، وفي الحد الأدنى معادلة لها في غزة.
الموقف الأمريكي من حماس كان جزءا من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، يجري التعامل معها كما يجري التعامل مع إيران ومحورها، وبالتالي لم تكن واشنطن بوارد التمييز بين مكونات هذا المحور، وهي رفضت في السابق الأطروحة البريطانية التي دعت إلى فصل سوريا عن إيران، وهي ترفض اليوم الأطروحة الروسية / الأوروبية / العربية التي تدعو لتحييد حماس وجذبها بعيدا عن إيران.

المكالمة الهاتفية:
في الاتصال الهاتفي بين بوش وأولمرت قبل الزيارة، جرى الاتفاق على اعتبار اتفاق مكة غير ملب للشروط الدولية، كما تم الاتفاق على مقاطعة أي حكومة تقوم على أساس هذا الاتفاق ولا تلبي مطالب الرباعية الدولية.جرى تداول حول إلقاء اللقاء الثلاثي في 19 شباط، لكن تقرر عقده على قاعدة أنه لا يجوز عزل أبو مازن (هذا موقف أمريكي أساسا) ولا يجوز ترك الانطباع بان محاولات إحياء عملية السلام قد انهارت.

اسرائيل قبلت بذلك مقابل تأكيد أمريكي بأن لا تتعامل واشنطن مع أي حكومة لا تقبل بالمطالب الثلاث بصورة واضحة وغير قابلة للتأويل. القمة عقدت تحت ضغط الرغبة الدولية والعربية بإبقاء جذوى عملية السلام مشتعلة وإن بصعوبة، وفي إسرائيل يريدون القمة للإبقاء على "وهم عملية السلام" وواشنطن تريدها لغيات تتعلق برغبتها في البرهنة على أنها تقوم بدور جدي في فلسطين نظير كسب تأييد العرب في العراق وضد إيران. الولايات المتحدة تتعامل واقعيا مع اتفاق مكة كنكسة لدبلوماسيتها، وأفضل تعبير عمّا يدور في خلد الإدارة ما أورده روبرت ساتلوف عن الاتفاق (دراسته مرفقة في مكان آخر)

الزيارة:
من الواضح أن واشنطن فوجئت باتفاق مكة، ليس من حيث الجهد التحضيري وليس بسبب ضعف قنوات الاتصال مع السعودية، لكن المفاجأة كانت في نجاح فتح وحماس في التوصل إلى اتفاق، وفي تغليب أبو مازن والرياض أولوية ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي واستعادة الاستقرار في فلسطين على حسابات "شروط الرباعية" وأولويات التصعيد والتجييش ضد إيران.رايس خاطبت أبو مازن معاتبة: الأصدقاء يتشارون وأنت لم تتشاور معنا، ولم تأخذ بنصائحنا في إشارة إلى النصيحة الأمريكية لأبو مازن بعدم زيارة دمشق واللقاء مع خالد مشعل قبل اتفاق مكة.

أولمرت كان حانقا على أبو مازن، وبادره بهجوم شديد وقال له "لقد خنتني" بتوقيع اتفاق مكة، وها أنت تخونني من خلال قيامك بشق طريق التفافي حول الحصار المضروب على حماس والعزلة الدولية المفروضة عليها من خلال جولتك الأوروبية والعربية القادمة. عباس خرج عن طوره وخاطب أولمرت بطريقة غير مألوفة عند أبو مازن: ما الذي قدمته لي أنت وحكومتك لعملية السلام، أنت لم تف بالاتفاقات والتفاهمات المبرمة، لم تخفف الحواجز ولم تفرج عن الأموال وتهاجم السلطة وأجهزتها لم ترفع الحواجز إلى آخر الأمر.

أولمرت هدد عباس بأنه سيتعامل مع الرئاسة بذات الطريقة التي يتعامل بها مع حكومة حماس، وسيعامل وزراء فتح كما عامل وزراء حماس (معظمهم في السجن)، أبو مازن رد غاضبا وهمّ بمغدرة مكان الاجتماع، رايس أعادته وهدأت الموقف. القمة الثلاثية انتهت بنتائج مفتوحة وغير محددة، واشنطن ستعاود وصل ما انقطع بفعل اتفاق مكة، وهي ستحاول ممارسة ضغط على الفلسطينيين (أبو مازن) واستدعاء ضغوط عربية ودولية موازية لدفعه للعودة عن الاتفاق حتى وإن بطريقة غير مباشرة، المهم أن لا تكون حماس في موقع مركزي في الحكومة المقبلة، قبل أن تنطق بصورة واضحة وصريحة بالمطالب الثلاث.

الهجوم الأمريكي المضاد:
أولا: الاجتماع بقادة الأجهزة الأمنية ( الخمسة وليس الأربعة)الاجتماع الذي دعت لها رايس على عجل حضره خمسة من القادة الأمنيين الكبار وليس أربعة كما ذكرت الوكالات : عمرو سليمان ( مصر)، محمد الذهبي (الأردن)، مقرن بن عبد العزيز (السعودية) هزاع بن زايد (الإمارات) ومحمد دحلان (فلسطين) فضلا عن الأمير بندر بن سلطان. الاجتماع تركز حول تداعيات اتفاق مكة ومراجعة نتائج الاجتماع السابق الذي تقرر فيه تنسيق الجهود لعزل حماس وتدعيم أبو مازن. الموقف السعودي كان محرجا فالمملكة لا تستطيع أن تعيد فتح الاتفاق للتفاوض مجددا بعد أن كانت هي صاحبة الدعوة والرعاية، دافع الوفد السعودي عن الاتفاق من زاوية أنه يضعف إيران ويحد من نفوذها في بعض الأزمات، وأيد خطط تدعيم أبو مازن.

كان من الواضح أن رايس تتوجه لهذه الأطراف لممارسة المزيد من الضغوط على حماس للقبول بمطالب الرباعية وعلى فتح لعدم التسليم بوجود حماس في السلطة والتوقف عن مناكفتها. لم تكن لدى العرب المجتمعين مع رايس خيارات كثيرة بعد أن تبين لهم أن أبو مازن يعتبر الأولوية الأولى لترتيب البيت الفلسطيني ومنع الانزلاق إلى حرب أهلية، وأن الرجل جاد في تمسكه بالاتفاق، وهناك صعوبات تعترض أي بديل آخر في حال فشل اتفاق مكة وانتهاء جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية إلى جدار مسدود.
ثانيا: الرباعية في برلين: منع انقسام الموقف الدولي المناهض لحماس والعازل لها.
كان من الواضح أن واشنطن ستواجه مشكلة مع روسيا في الموقف من اتفاق مكة وحكومة الوحدة، وبدرجة أقل مع أوروبا التي عبرت عن تأييد إجمالي بالاتفاق، ورغبة في الخلاص من الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. روسيا تدعو لرفع الحصار والعقوبات، وأوروبا نظرت إلى نصف الكأس الملآن من اتفاق مكة، أما الأمين للأمم المتحدة فموقه أقرب إلى الموقف الأوروبي، لكن واشنطن وحدها هي من يتبنى الموقف الإسرائيلي بالكامل.

 لا خلاف بين الأطراف حول ضرورة تبني حماس لمطالب الرباعية الدولية، الخلاف ينحصر في مسألتين: الأولى، كيف يمكن الوصول إلى ذلك، بالحوار أم بالحصار، والثاني: تقييم اتفاق مكة وما إذا كان خطوة جادة على هذا الطريق أم لا؟ روسيا وعدت بمواصل الجهد من أجل لإقناع حماس بمزيد من الليونة، يعتقد أن دعوة مشعل لزيارة موسكو تندرج في هذا السياق، لا سيما وان اللجنة الرباعية قررت تأجيل تحديد موقف من حكومة الوحدة إلى ما بعد تشكيلها على أمل أن تفشل التجربة قبل أن تبدأ (الولايات المتحدة) أو أن تتمكن الأطراف العربية والدولية من إضفاء المزيد من المرونة على مواقف حماس (روسيا، أوروبا).

إلى أن ينتهي هنية من مشاوراته تشكيل حكومة، خلال أسبوعين إلى أربعة أسابيع، ستتحرك روسيا والدول العربية المعتدلة على خط حماس لتليين مواقفها، وستواصل واشنطن تقييم الموقف بهدف تحديد خطوتها التالية وفي أي طريق ستمضي، أما إسرائيل فتتابع بقلق وعن كثب، احتمالات تفكك الحصار وانكسارههناك رهان على أن الضغوط الأمريكية – الإسرائيلية قد تقنع بعض الفلسطينيين بالكف عن تأييدهم للاتفاق والحكومة والعودة إلى مربع التصعيد، وقد تقنع بعض العرب بممارسة المزيد من الضغوط على حماس، حتى وإن أدى ذلك إلى إبقاء اتفاق مكة مجمدا أو النظر إليه كخطوة ستتبعها خطوات لكي تستكمل حماس نصاب القبول الدولي بها.

الخلاصة:
الأسابيع القادمة صعبة أيضا، وستشهد حراكا نشطا من فتح وحماس للدفاع عن الاتفاق وترويج حكومة الوحدة الوطنية، وهنا يشار إلى جولة عباس الأوروبية والعربية، مثلما يشار إلى جولة مشعل العربية والأوروبية. سباق بين أنصار الاتفاق من الفلسطينيين وخصومه من الإسرائيليين المدعومين أمريكيا. هناك حاجة فلسطينية لتحرك عربي موازي من قبل الذي رعوا الاتفاق وأيدوه حتى لا يعود الفلسطينييون إلى المربع الأول.

هناك بوادر تفاؤل فلسطيني في إمكانية فكفكة الحصار تدريجيا، رهانا على دعم العرب (السعودية للاتفاق) حتى الآن على الأقل، والتطور في المواقف الأوروبية والموقف الروسي. الحصار لن يرفع دفعة واحدة، بل تدريجيا وعبر قنوات الرئاسة لا الحكومة، وفي المجالات الإنسانية والاجتماعية والمدنية أساسا، ووفق ضوابط رقابية مشددة.

ليس هناك تفاؤل في إمكانية حدوث اختراق على خط المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، إسرائيل ليست جاهزة لهذا الاحتمال، وهي تتنصل من مسؤوليتها وعدم جاهزيتها بكيل الاتهامات للفلسطينيين وبترويج نظرية "غياب الشريك الفلسطيني" واليوم بالقول بأن عباس خان اتفاقات والتزاماته السابقة، وآثر تقديم تحالف الجديد مع حماس على حساب عملية السلام.